من الصحافة الاسرائيلية
تتزايد التقارير الإسرائيلية عن قرب تنفيذ عملية عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، لاسيما مع اقتراب إبرام الاتفاق النووي مع المجتمع الدولي، والتخوف الإسرائيلي من دخول طهران إلى النادي النووي، وما قد يعنيه ذلك من حيازتها لحصانة من أي استهداف إسرائيلي.
في الوقت ذاته وبعد 30 عامًا من التعامل مع المسألة الإيرانية، خرجت أصوات إسرائيلية تدعي أنه من الصعب تصديق رؤية مجموعة من الطائرات الإسرائيلية تظهر في الأجواء الإيرانية، وتدمر بنيتها التحتية النووية، على الأقل في الوقت الحالي، ويبقى السؤال حول ما الذي سيحدث إن تجاوزت إيران ما تعتبرها إسرائيل خطوطا حمراء.
الجنرال رونين إيتسيك، قائد لواء المدرعات سابقا، والباحث في العلاقات العسكرية والاجتماعية، كتب في صحيفة إسرائيل اليوم، أن “إسرائيل والساحة الدولية تدخلان العقد الثالث من الحوار والانخراط بشأن القضية النووية الإيرانية، تارة بين المفاوضات الدبلوماسية، وتارة أخرى بين التهديد العسكري، وتارة ثالثة عبر المكافحة السرية للبنية التحتية النووية”.
وأضاف في مقاله أن “السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي تتحدث عنه إسرائيل منذ ثلاثة عقود؟ في حين أن البنية التحتية النووية الإيرانية تقف على قدميها، رغم المزاعم الإسرائيلية بأن البرنامج النووي الإيراني سيتضرر لسنوات قادمة، رغم أن نظريتي القائمة على فرضيات عسكرية مفادها أن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية تم إسقاطه، على اعتبار أن ذلك لم يعد هو الهدف، ولا توجد فرصة حقيقية لتحقيقه”.
يزعم أصحاب هذا الرأي من الإسرائيليين أن الإيرانيين عدوًا لا يجب التقليل من شأنه، لأن منشآتها النووية باتت تشكل مرتكزات رئيسية مهمة بالنسبة لهم، وبالتالي فإن حمايتها مهمة هائلة للغاية بالنسبة لحكام طهران، ولكن بما أن الخطاب حول الهجوم ما زال مستمرا منذ سنوات، فمن المحتمل جدًا أن يكون مستوى الحماية ضدهم من بين أعلى المستويات، إن لم يكن أعلى مستوى.
يقارن الإسرائيليون بين المنشآت النووية الإيرانية وما حصل إبان قصف المفاعل النووي السوري، رغم أن الهجوم الجوي الإسرائيلي عليه جاء بسيطًا نسبيًا، ودون مقاومة كبيرة، أما “الفيلم” في إيران فهو مختلف تمامًا، لأن تكلفة الهجوم ستكون باهظة، سواء تجاه القوات التي ستهاجم، أو في الرد الحربي الذي يليه، فضلا عن المصالح الجيو-استراتيجية، ومدى تأثير هذا الهجوم على إيران على تقويض الاستقرار الإقليمي.
مقارنة لافتة ترصدها المحافل الإسرائيلية تتعلق بمدى موافقة الدول العظمى على هذه الضربة الإسرائيلية ضد إيران، في ضوء جملة المصالح التي تربطهما، خاصة روسيا، التي أنشأت منظومة من العلاقات الخاصة مع إيران على الأراضي السورية، ما يطرح شكوكا كبيرة حول إمكانية تنفيذ تهديد مضى عليه أكثر من عقدين من الزمن.
أكثر من ذلك، يضع المشككون في وجاهة تنفيذ الضربة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران في أنها لم تقع بينما كانت بنيتها التحتية النووية لا تزال قيد الإنشاء، وغير نشطة، فلماذا تنفذ اليوم؟ وقد حققت إيران قفزات نوعية في هذا المجال، فضلا عن أجواء السرية التي تحيط بها، وكلها عوامل تعمل على تقليل وتعطيل وإبطاء العمليات العسكرية ضدها.
ما زال قرار الحكومة الاسرائيلية بتصنيف المنظمات الحقوقية الفلسطينية بأنها “إرهابية” يترك تأثيراته داخل دولة الاحتلال وخارجه، سواء على صعيد ردود الفعل الفلسطينية والدولية، أو مفاعيل القرار على الصعيد الأمني الإسرائيلي الداخلي.
لكن آخر النتائج التي أسفر عنها هذا القرار الإشكالي صدور جملة انتقادات من داخل الحكومة لقرار وزير الحرب بيني غانتس بهذا الخصوص، لاسيما على صعيد عدم إشراكه رئيس الحكومة نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد، لأن القرار كانت له حساسية بالغة من النواحي السياسية والقانونية والدبلوماسية.
ميخال شيمش، الكاتب في هيئة البث الإذاعي والتلفزيوني- كان، ذكر أنه “دخل على خط إدانة القرار وزير الخارجية يائير لابيد، الذي لم يتم إبلاغه مسبقًا من قبل غانتس، خاصة بعد صدور ردود الفعل الدولية ضد القرار، ولذلك لم يتضح حتى الآن سبب اختيار غانتس لإصدار القرار دون التنسيق الكامل مع وزير الخارجية، كما لم يطلع رئيس الوزراء بينيت على الأمر”.
وأضاف في مقاله، أن “بعض كبار الوزراء هاجموا غانتس؛ لعدم اطلاعهم على آخر المستجدات، وقد طالب الوزيران نيتسان هوروفيتس وريفكا ميخائيلي بأن يتوقف غانتس وبينيت عن إصدار القرارات المثيرة للجدل، ما دفع الأخير للرد بغضب على وزرائه بأن غانتس لم يطلعه على القرار”.
مع العلم أنه لم يكن مفاجئا أن تقدم اسرائيل على تصنيفه للمؤسسات الحقوقية الإنسانية الفلسطينية بأنها “إرهابية”، بزعم ارتباطها بمنظمات فلسطينية مسلحة، مع أن ممارساته تصنف لدى العديد من مواثيق الدول والمنظمات الدولية بأنها أحد أشكال الإرهاب، بل إرهاب الدولة، لأنها تستهدف اقتلاع شعب من أرضه، وإحلال آخرين محله في وضح النهار، وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع.
إن هذا التصنيف الإسرائيلي لهذه المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، فضلا عن كونه مجافيا للحقائق، ومنافيا للواقع على الأرض، لكنه يهدف بالأساس لكتم كل صوت يسعى لفضح جرائم الاحتلال، ونشرها حول العالم، وكشفه على حقيقته، لاسيما أن هذه المؤسسات تنشط بالأساس في رصد انتهاكاته، وإصدار تقارير موثقة بذلك، وتوزيعها على المنظمات الدولية والسفارات الأجنبية، وهو ما يسهم بصورة كبيرة في نشر المظلومية الفلسطينية حول العالم، بعكس ما يريده الاحتلال.
هذه واحدة أما الثانية فهي محاولة إسرائيلية لا تخطئها العين لحرمان الفلسطينيين من أي تواصل مع العالم الخارجي، سواء عبر الاتصال السياسي والإعلامي والحقوقي، أو الحصول على الدعم والتمويل اللازم لعمل هذه المؤسسات الحقوقية، وحصر هذه الاتصالات في الاحتلال وحده، من أجل تعميم روايته الزائفة، وإسماع العالم صوته الحصري فقط، والتعتيم على ما يعيشه الفلسطينيون ويعانونه من شتى صنوف العذاب.