حتى لا تستمر الدوامة…
غالب قنديل
تظهر الأزمات المتكرّرة والمتلاحقة على وقع التدخلات والتشابكات الدولية والإقليمية الناشطة والساعية للاستثمار والتوظيف السياسي أو المخابراتي في بلد يزداد إغراءً وغواية مع أزمته، التي خفّضت كلفة التشغيل والاستثمار الإعلامي والمخابراتي والسياسي في نسيج مائع اجتماعيا، وغير محصّن وطنيا وأخلاقيا، وفي ظل هياكل دولة مخلّعة متعدّدة الثقوب والمسارب.
أولا: تمّ تأخير الانتقال إلى تطبيق أهم بنود اتفاق الطائف، وأحد أكثر الخطوات الدستورية، التي تضمّنها الاتفاق تقدّمية، وهي النص الذي بات جزءا من مقدمة الدستور، وفيه إلزام باستحداث مجلس للشيوخ، وانتخاب المجلس النيابي خارج القيد الطائفي، وتنظيم توزيع الصلاحيات بين المؤسستين بقانون دستوري، يحدّد دور كلٍّ من المجلسين في التشريع والرقابة، كما يحدِّد حالات انعقادهما في هيئة واحدة كمؤتمر وطني، كما هي حال الأنظمة التمثيلية، التي تتّبع تلك الوصفة في بنيان مؤسساتها الدستورية والقانونية.
أمام ما أثير من هواجس ضد إلغاء الطائفية السياسية، ولاسيما رهاب الغلبة العددية، التي تبنّاها البعض، تمّ التفاهم، من خارج الميثاق والدستور، على تمديد الفترة الانتقالية، التي ما زالت مستمرة، وبسقف زمني غير محدَّد، وهو يعني بقاء النظام الدستوري والسياسي بؤرة خصبة لتناسل العصبيات، واستيلاد التطرّف، وتغذية الأوهام، واستضافة التدخّلات والارتهانات المصاحبة لأدران التطرّف.
ثانيا: وصفة نظام المجلسين يمكن لها أن تقدّم مخرجا، يؤسس لتأهيل الحياة السياسية والمؤسسية إلى دخول عصر الدولة المدنية. فأهم المفاعيل والنتائج تراجع التخندق الطائفي والمذهبي والمناطقي لصالح انتظام سياسي جديد في قلب المؤسسات الوطنية الدستورية، ولا سيما عندما يتمّ تحرير التمثيل النيابي من القيد الطائفي، بعد سنوات قليلة من مباشرة تطبيق هذا المبدأ الدستوري، المؤجّل بصورة غير منطقية، فيها محاولة إعاقة وتأخير مقصود لاستحقاق فرصه التفاهم الوطني مع اتفاق الطائف وصيغة إنهاء الحرب الأهلية. وتنبغي الإشارة إلى أن القوى التي تستأخر هذا التغيير هي موضوعيا وتاريخيا في الموقع الرجعي المعرقل للتقدم النوعي، الذي احتواه النصّ الدستوري، وأكسبه صفة الإلزام الحُكمي، ونفاذه لا يقبل التعطيل أو الاعتراض، بعدما نصّت عليه مادة دستورية بكل وضوح.
إن لا شيء يمنع المبادرة العاجلة إلى صياغة تعديل لقانون الانتخاب، ينظّم انتخاب مجلس الشيوخ إلى جانب مجلس النواب، والتفاهم على ما علق من نقاط تتصل بالملف. ولندشّن مرحلة جديدة ومهمة في الحياة السياسية والدستورية.
ثالثا: بالتوازي مع هذا الإصلاح المحجوز، يجب تعديل سنِّ الاقتراع في مجتمع، يعتبره خبراء السكان فتيا، حسب الاحصاءات والأرقام العالمية والإقليمية المتداولة. وفي بلدنا أثمرت هذه الفئة العمرية، وأنبتت طاقات واعدة في جميع المجالات العلمية والتقنية والرياضية والثقافية. وأقلُّ ما ينبغي، أن يكون لها حق الانتخاب والاختيار السياسي، والاشتراك في تكوين الكتلة المرجحة لمستقبل البلد السياسي والاقتصادي على مفترق التحولات الكبرى، التي يضجّ هدير فصولها ونتائجها من حولنا. ولا يقلّ أهمية عن هذا التحوّل فرض الكوتا النسائية، لزحزحة الذكورية المتخلّفة والرجعيّة من ثنايا البنيان السياسي المجتمعي.
إن قوانين الانتخاب في النظم السياسية الحديثة، هي الاستحقاق الأهم، الذي يعطى حيّزا كبيرا من التشاور والحوار، قبل تنضيج الصيغة النهائية وطرحها، لتصدر رسميا، وتشقَّ طريقها إلى التنفيذ. وقد كانت مبادرة الرئيس نبيه بري، السبّاقة والطليعية كالعادة، تعبيرا عن تحسّس تاريخي لأهمية هذه القضية، لازم مساره السياسيّ الوطنيّ منذ عقود.