جيوب الاحتلال التركي والأميركي في سورية
غالب قنديل
تواصل سورية صمودها وتعافيها وتعمل لتحرير أرضها وإنهاء الزلزال الدموي المدمّر الذي اجتاحها من سنوات، في أعنف غزوة استعمارية، تداخلت فيها أنماط متعدّدة من حروب الاحتلال والغزو العسكري، الذي شنّته دفعة واحدة مجموعة من الحكومات والجيوش. بينما سُخّرت جهود جبارة لتصوير مسارات المعارك والأحداث الدامية والمدمّرة إعلاميا وسياسيا، بوصفها حربا أهلية، من خلال المبالغة، والنفخ الدعائي الترويجي، والتزييف وبث الأكاذيب، وترسيخ الوهم الذي جرى تصنيعه على نسق الثورات الملونة، وبتقنيات تسويق متقن لروايات افتراضية كاذبة وخادعة.
أولا: منذ اندلاع العدوان على سورية حشدت شبكة من الإمبراطوريات الإعلامية العالمية والإقليمية، التي تديرها الدوائر المخابراتية الأميركية الغربية، ومعها سلسلة منظومات إعلامية ووكالات أنباء، لتسويق صورة زائفة للعصابات الإرهابية في مختلف المناطق السورية، التي اجتاحها زلزال الدم والنار والفوضى. وبعد رواج كذبة الثورة، واستيطانها في الفضاء الإعلامي، واجتياحها لعقول الملايين المضلَّلة في العالم والمنطقة، سرعان ما انجلى الغبار والدخان عن جحافل الغزو الخارجي، واضمحلت الصور الزائفة وتلاشت.
انطلقت الروايات الكاذبة من وصف أميركي فاجر، صاحب بداية الأحداث، فانتحل لها صفة الثورة، وأطلق تسمية ثوار الحرية على الإرهابيين القتلة وقاطعي الرؤوس، الذين تكشّفت أقنعتهم تباعا للعالم عن جحافل تكفير وتوحّش، شاركت في احتضانهم ورعايتهم وتشغيلهم حكومات كلٍّ من تركيا والكيان الصهيوني والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. وقد تفاوتت الأدوار والأحجام تبعا لمسارات الحرب ومراحلها. ومع تقدّم الجيش العربي السوري، وتوسّع سيطرته بالشراكة مع الحلفاء من وحدات حزب الله والخبراء الإيرانيين والروس، الذين كانوا طليعة قوات خاصة، شاركت عند الضرورة في المعارك الفاصلة، التي خاضها الجيش العربي السوري في العديد من المناطق السورية، لتعجيل الحسم والتعافي.
ثانيا: خرست جميع الأبواق وتاهت في صمتها الرهيب، لتخفي خيبتها، بعد انكشاف المستور، وتساقط الأقنعة، التي بقي منها القليل بحجم الجيوب والأدران العميلة الباقية على الأرض في مناطق سورية طرفية، وهي بمثابة خرّاجات قيح ودم ودخان، تعيق التعافي السوري النهائي، ولا تمنع نهضة متعاظمة للدولة والجيش بعد الجهود والتضحيات، التي شقّت مسار إنهاء الحرب والعدوان إلى خواتيمه الوشيكة، إثر تفكّك حلف العدوان، وتخلّع حلقاته تباعا.
كما تُبيِّن الوقائع، وبعدما تلاحقت استدارات الاضطرار السياسي في الإقليم والعالم، بنتيجة التحولات وانعكاسها على حساب الربح والخسارة في العواصم الغربية والإقليمية، التي شرعت توازن الخسائر والمكاسب. وتلتمس حاجتها المتجددة لتوسّل حبال الوصل والودّ بسورية، التي تنفتح على آفاق واعدة في مسار التعافي واعادة البناء. وتعتلم الدوائر الغربية والإقليمية فرصا كثيرة في التعاون والشراكة مع سورية العائدة إلى المسرح العالمي والإقليمي سياسيا واقتصاديا، بألقها القومي التحرّري، وبنهجها الاستقلالي كمنارة تقدّميّة في العالم الثالث. وأمام التحوّلات القاهرة، ينحصر الرهان الإمبريالي الصهيوني على الاستنزاف والعرقلة في اعتراض المسار السوري الصاعد بقوة اندفاع هائلة، بعد ما خلّفه العدوان من خراب عمراني ومجتمعي، يتطلّب ثروات وجهودا لا يستهان بها. بينما تشير الوقائع إلى تخطيط محكم، بالجمع بين الموارد الوطنية ومردود الشراكات ومساهمات الحلفاء، لصبّها في عائد وطني مدمج، يرتد ويفيض وطنيا على سورية دولة وشعبا.
ثالثا: إزالة جيوب الاحتلال التركي والأميركي، وتصفية أدران العمالة والارتزاق الباقية، هي الفصل الحاسم، الذي سيكون خاتمة مسار التعافي والنهوض. ويشير التقصّي الميداني والإعلامي الدقيق لمسار الأحداث ومآلاتها الواقعية إلى توسّع سيطرة الجيش العربي السوري في الجغرافيا السورية، بعد سنوات من القتال الصعب في حروب مركّبة متزاوجة ومتزامنة، بعضها نظامي، وبعضها من نسق غواري، سطّر فيها هذا الجيش إنجازات تاريخية وإبداعا استثنائيا، يستحقّ الدراسة، ويثير الإعجاب، وهو مدرسة ينهل منها خبراء الاستراتيجيات. فالحرب الوطنية السورية تستحق الدراسة والتأريخ لنمط القيادة وفنون القتال، وسلسلة التخطيط الحربي، التي أبدع السوريون في ابتكارها وتنفيذها وتنسيقها عملياتيا وميدانيا، وحقّقوا في التجربة تجارب ملهمة في تزاوج الخبرات والمدارس الحربية الشرقية واندماجها بين شركاء الشرق روسيا وإيران وحزب الله. في حين يُجمع هؤلاء الشركاء على غنى الخبرات التي أتاحها لهم الميدان السوري مع إعجابهم بالكفاءات والقدرات السورية المتميّزة.
لن يطول انتظار الحسم النهائي وإنجاز تحرير كامل التراب الوطني السوري من الأدران والجيوب الباقية، وبسط سلطة الجيش العربي السوري على آخر رقعة محتلة او يسيطر عليها العملاء. وسيكون الانتصار النهائي في سورية بشارة لبلدان المشرق وللشعوب وحركات المقاومة والتحرّر، وحدثا يستحقّ الاحتفال بنصر حاسم لمحور المقاومة والتحرّر.