العروض الإيرانية وتماسيح النظام اللبناني
غالب قنديل
لا يحتاج القارئ الحصيف كثير تدقيق او تمحيص لاكتشاف اهمية المشاريع النهضوية التي أبدت الشقيقة ايران استعدادها لإطلاقها وتنفيذها في لبنان ليس فحسب لورودها كبارقة انعاش واحياء اقتصادي في زمن اختناق وانهيار بعد الكارثة بل أيضا لأنها تدخل لبنان على خط شراكة منتجة وواعدة تفيض عائداتها عن حدود كفاف التسيير والتشغيل الجاري للمرافق العامة المشلولة والمحتضرة بل هي تفتح آفاقا واسعة للنمو والتطور كما تعود لها فضيلة تحريك العلاقات اللبنانية السورية وانتشالها من سبات قسري فرضه الخضوع اللبناني المهين للمشيئة الأميركية الغربية التي ألحقت لبنان بطوق الخنق الاقتصادي المفروض على سورية.
أولا ليس في الأمر مجرد سماكة الذهنية والأمزجة وتخلف العقول السياسية بل هي بالتحديد وقاحة الارتهان وتقديم رضى السيد الغربي ومصالحه وشروطه على مصالح الشعب اللبناني التي يلغو بها بعض القادة والزعماء بلا انقطاع ويغتصبونها ثم يغتالونها لحساب ارتباطهم بالأميركي ورضوخهم لمشيئته وإملاءاته التي تقرر لهم مساحات السماح السياسي والاقتصادي والمالي بالتحرك والمبادرة أو التجاوب مع المبادرات رغم الظروف الحرجة القاسية والكارثية التي يجتازها البلد ويئن الناس تحت وطأتها ولولا المبادرات الشجاعة التي اتخذتها المقاومة وأبدعت بتظهير فعلها الحاسم في تحدي الحصار وكسر المشيئة الأميركية وفك الخناق عن لبنان لكان التدحرج مستمرا في هاوية سحيقة معتمة من غير كوة ضوء ولو صغيرة وضيقة وحتى الساعة ما تزال مبادرات الشقيقتين ايران وسورية تتفاعل بالقدر اليسير الذي اخترقتا فيه جدران التخاذل والعفن السياسي للنظام اللبناني متنفسا وحيدا متاحا لكن البلادة والتآمر يطوقان نوافذ الأمل وثقوب الإنعاش المتاحة في بنيان تعفن واهترأ بتزاوج الفساد والتخلف والارتهان.
ثانيا الفكرة الإبداعية التي ابتكرتها قيادة حزب الله من خلال مبادرة بلديات الضاحية لتلقف العروض الإيرانية ببناء معامل توليد متطورة للطاقة الكهربائية رفعت التحدي في وجه السلطة السياسية والنظام العفن وهي تنم عن دراسة علمية ومحكمة لا يملك طابور العلك والتوهين أي قوة او حجة لدحضها والتنصل منها فهي انطلقت من نموذج وسابقة وجود معمل لتوليد الكهرباء أقامته شركة لبنانية رخص لها قانونا بذلك علما أن الجهة المبادرة هي السلطة المحلية المنتخبة في الغبيري والضاحية الجنوبية لبيروت مما يعطي المشروع صفة المرفق العام الذي تنشئه سلطة محلية وهي صيغة أرقى دستوريا واداريا من تلزيم المرفق العام وانشائه وادارته بمنح امتياز لشركة خاصة وهذه الفكرة الخلاقة ستكون نموذجا يحفز مبادرات كثيرة في ذات الاتجاه والسياق وربما في مجالات متعددة فما المانع من سلسلة انشاءات ومشاريع تنموية تتولاها البلديات وتؤمن لها العقارات المناسبة كمعامل انتاج العصائر والمربيات وتشميع الحمضيات في صيدا والزهراني وصور أو تصنيع المحاصيل الزراعية كالشمندر والحبوب والفستق في البقاع والشمال والتفاح في المتن وكسروان.
ثالثا تمثل الطاقة الكهربائية رافعة للتنمية في العالم المعاصر وهي قوة دافعة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية وقد شكل انهيار هذا القطاع مصدرا لرفع تكاليف الإنتاج والخدمات في لبنان وانعكس على جميع القطاعات بما يعزز ديناميات الانهيار والتآكل وقديما قيل إن الكهرباء هي روح العصر الحديث ورافعة التحضر والمدنية والتصنيع ومحرك نمط الحياة العصرية والتمدن وتقول الدراسات الاقتصادية الأوبية والتقديرات التقريبية إن انتظام التغذية الكهربائي العامة وانعدام الحاجة للمولدات سيؤمن خفضا شاملا وكبيرا في كلفة انتاج السلع والخدمات ويرفع قدرة المنتجات الزراعية والصناعية التنافسية كما من شان ذلك ان ينعكس انخفاضا في كلفة خدمات المرافق السياحية والفندقية التي تشكو مجتمعة من ارتفاع كلفة التغذية الكهربائية التي تمثل روح دورتها ونشاطها في سائر المواسم لاسيما في فصل الشتاء.
مرة جديدة يقدم حزب الله بمؤسسة شعبية منتخبة ونظامية نموذجا لكيفية تحول التهديدات إلى فرص ويشق مسارا جديدا ينبغي ان تتلاقى جهود جامعة في تعميم التجربة التي يدشنها لاحتواء كساح الحكومات وعقم النظام البائس.