الولايات المتحدة تخسر الحرب في سوريا روبرت فورد
12 -03-2015
يبدو أنّ إستراتيجيّة الولايات المتحدة الحاليّة في سوريا غير مجدية. وبرغم ضربات “التحالف الدولي” الجويّة ضدّ “داعش”، فإنّ التنظيم ما زال يملك عمقاً إستراتيجياً في سوريا يدعم فيه حملته على العراق. وفي الوقت ذاته، فإنّ نظام الرئيس السوري بشار الأسد لا يحارب التنظيم ـ إذ أنّه عالق في قتال المعارضة المعتدلة. وبرغم الآمال الأميركية في انتقال سياسي وطني في سوريا، لا يكون الأسد جزءاً منه، لا يوجد مؤشّر على وقف إطلاق النار، في حين يبقى احتمال التوصّل إلى اتّفاق سياسيّ شامل ضئيلاً جداً .
إذاً، على الأميركيين ـ كما السوريين ـ الآن، أكثر من أيّ وقت مضى، أن يسألوا أنفسهم عن الأخطاء التي ارتكبت، وعمّا يمكن إصلاحه. فالإستراتيجية الأميركية تحتاج أن تركّز على استعادة المساحات من قبضة “داعش”، بالإضافة إلى إحداث الشقاق بين دائرة الأسد الحاكمة وقاعدته الشعبية المنهارة، بحيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تشكيل حكومة جديدة تستطيع حشد المزيد من السوريين ضدّ “الجهاديين”. ولا يزال تعزيز المعارضة السورية المعتدلة عنصراً أساسياً في تحقيق هذه الأهداف. ولكن علينا ـ وعليهم ـ أن نفهم الإستراتيجيّة والتكتيكات بشكل صحيح.
وعلى إدارة الرئيس باراك أوباما، إمّا تعزيز الجهود الديبلوماسيّة وتقديم مزيد من المساعدات، أو فلتبتعد عن سوريا، إذْ إنّ استمرار محدودية المساعدات والرجال في المعركة، لن يؤدّي إلى احتواء الجهاديين، كما لن يكون كافياً للوصول إلى المفاوضات السياسية التي تطمح لها الإدارة الاميركية.
النهاية الهادئة لـ “حركة حزم” المعارضة، والتي عملت بدعم أميركي في شمال سوريا، كانت أحدث مؤشّر على السياسة الفاشلة، وذلك بسبب عدم حصولها على المساعدات القليلة في الوقت المطلوب، ما أدى إلى هزيمتها بسهولة على أيدي “جبهة النصرة” التي تمكنت من السيطرة على مساحات ومعابر حدودية جديدة. وإلى جانب تلك الانتكاسات التي تلقتها “الحركة المعتدلة” في الأشهر الأخيرة: فهناك مجموعات أخرى تتعرّض بشكل متكرر إلى هجمات من قوات النظام (مدعومة من الإيرانيين و”حزب الله”)، و”جهاديي” “النصرة” و”داعش“.
ولكن في الوقت ذاته، فإنّ الولايات المتحدة لم تكثّف مساعداتها للعلمانيين والمعتدلين، في أشدّ أوقات حاجتهم إليها. وفي المقابل، كانت المساعدات التي تقدّم إلى المسلحين السوريين المعتدلين قليلة وغير منتظمة، فيما أدّى تقسيم المقاتلين على أيدي الدول الأجنبية وتوزيعهم على مجموعات متعددة، إلى حلقة مفرغة، ودفع بهؤلاء المعتدلين إلى التنافس بعضهم ضدّ البعض الآخر، والتعاون، في بعض الأحيان، مع “جبهة النصرة”. كل ذلك في المقابل، أدّى إلى غضب الدول الأجنبية، كما أبعد كل أطراف النظام التي قد ترغب في التفاوض على اتفاق، ما يعني إطالة أمد حرب الاستنزاف لمصلحة “داعش“.
وبدلاً من تعزيز قدرة المجموعات المعتدلة الموجودة على الأرض، قرّرت الإدارة الاميركية بناء قوّة جديدة. وبحسب التصوّر الحالي، فإنّ الخطة هذه جاءت متأخرة كثيراً. فعديد الوحدات المقاتلة، سيكون أقلّ بكثير من عديد مقاتلي “الدولة الاسلامية” في سوريا. ناهيك عن أنّ الخطة ستزيد من تقسيم المعارضة المسلحة المعتدلة، ولن تستطيع فعل شيء لمواجهة أكبر أداة تجنيد بالنسبة إلى التنظيم ـ أي وحشية نظام الأسد.
وإلى جانب ذلك، فمن المرجّح أن يفي الأسد، بتهديده الأخير الذي أطلقه خلال مقابلته مع مجلة “فورين أفيرز”، بالهجوم على قوات المعارضة السورية التي تعتزم الولايات المتحدة تدريبها. ولكن هذا ليس بجديد: فقوات الأسد البرية والجوية استهدفت، وعلى مدى العامين الماضيين، المسلحين المعتدلين الذين يقاتلون “الدولة الاسلامية” في الشمال والشرق السوري.
وفي حال أرادت الإدارة الأميركية لهؤلاء المقاتلين المحاصرين النجاح، حينها يتوجّب عليها مواجهة خيار توسيع الضربات الجوية في سوريا. لذلك، فإنّ حماية هذه الوحدات الصغيرة من هجمات سلاح الجو التابع للأسد، يتطلّب فرض نوع من منطقة حظر الطيران، وتلك خطوة لطالما قاومت الإدارة الأميركية اللجوء إليها. وفي حال مضت إدارة أوباما في هذه الخطوة، ينبغي عليها، أيضاً، أن تتفاوض بشأن صفقة مع المعارضة السورية وحلفائها الإقليميين، بهدف حشد كل الأطراف في استراتيجية واحدة ضد “داعش”، وتحقيق اتفاق سياسي سوري عن طريق المفاوضات.
ويعدّ عقد صفقة أكبر أمراً حيوياً. والحل هنا، يكون عبر تنفيذ الإستراتيجية المنقّحة التي تؤسّس لهيكل قيادة موحدة للمعارضة غير الجهادية.
ذلك الهيكل الموحد للمعارضة، يجب أن يكون الطرف الوحيد الذي يحصل على التمويل الخارجي، والتسليح، والتدريب، ويشمل الجماعات المتمردة من غير الجهاديين، بقيادة سوري يتمتّع بدعم كبير من السوريين الذين يقاتلون على الأرض، ومن الدول الأجنبية. أما أولئك الذين يرفضون اتّباع أوامر القيادة الموحدة، فيتمّ قطع المساعدات عنهم. ذلك هو السبيل الوحيد لإنهاء التشرذم الذي تعاني منه المعارضة المسلحة المعتدلة منذ وقت طويل، ولكن يجب ضمان أنّها ستدعم أي مفاوضات في نهاية المطاف.
أما الخيار الأفضل لمواجهة المتطرفين العرب السُنة والحد من انتشارهم، فيكون عبر المقاتلين السوريين، السُنة منهم تحديداً. وهذا يرجّح فرضية أن تصير مجموعات المعارضة الإسلامية المعارضة، والتي لا تصرّ على فرض دولة اسلامية بالقوّة، جزءاً من الحلّ.
وتحتاج كلّ من الولايات المتحدة وتركيا إلى إيجاد أرضيّة مشتركة في إطار الإستراتيجيّة المنقّحة، بحيث تغلق أنقرة حدودها أمام “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة“.
وتحاول أنقرة استغلال المتطرفين لمحاربة كل من نظام الأسد و”حزب الاتحاد الديموقراطي” الكردي. والأمر الذي ربّما يؤدي إلى إقناع تركيا بالتخلي عن ذلك المسار، هو استراتيجيّة أميركيّة تقدّم المزيد من الدعم للقوى المعتدلة التي تحارب الأسد والجهاديين، وتلجم بالتالي الدور الأميركي في تعزيز النزعة الانفصالية الكردية في سوريا.
وفي حين ساهمت المساعدات الأميركية للمقاتلين السوريين الأكراد بطرد “الدولة الاسلامية” من كوباني، فهي كذلك عزّزت طموحات “حزب الاتحاد الديموقراطي” الانفصالية. وبالفعل فإنّ الحزب أعلن الحكم الذاتي، من جانب واحد، في شمال سوريا، ما دفع بالقبائل العربيّة الخائفة في المنطقة، إما إلى دعم الأسد أو دعم “داعش“.
لذلك، فإنّ تركيز الولايات المتحدة على استخدام السوريين الأكراد ضدّ “داعش” لن ينهي التهديد الجهادي ـ بل سوف يؤدّي إلى تفاقم الأمور، وتوسيع نطاق الصراع السوري. وقد يكون مطلب الأكراد، تحقيق اللامركزية، السبيل الوحيد في اتجاه إعادة تجميع سوريا المجزأة، ولكن الآن، على الأميركيين وحلفائهم أن يقولوا لـ “حزب الاتحاد الديموقراطي” إنّ المناطق المستقلة يمكن أن تكون، على المدى الطويل، جزءاً من مفاوضات سياسية يشارك فيها جميع السوريين.
وتجدر الإشارة إلى أنّ تعزيز المساعدات الأميركية للمعارضة السورية، يجب أن تترافق مع قيود محكمة، وفي مقابل تعزيز تلك المساعدات، يجب أن توافق أكبر شخصيات المعارضة السورية على هذه الشروط الستة:
1- أن تطيع الجماعات المسلحة التي تتلقّى مساعدات من القيادة المركزية الحديثة المنشأ، أوامر هذه القيادة فقط.
2- أن توقف المعارضة المسلحة الأعمال الوحشيّة ضدّ المجتمعات المدنيّة التي تدعم نظام الأسد، وأن تتحمل قيادة المعارضة المسلحة مسؤولية أعمال الجماعات المكونة لها.
3- قطع جميع العلاقات مع جبهة النصرة.
4- أن تكرّر قيادة المعارضة المسلحة باستمرار أنّها لا تسعى إلى تدمير المسيحية والعلوية، أو أيّ من الأقليّات الأخرى، وأن تبدي استعدادها للتفاوض بشأن ترتيبات الأمن المحلية، والتي يجب أن تتضمّن عناصر الجيش العربي السوري، لحماية جميع السوريين.
5- التفاوض على اتّفاق سياسيّ وطني لإنهاء الصراع، من دون أن يكون رحيل الأسد شرطاً مسبقاً.
6- أيّ ائتلاف سياسي يدَّعي أنه يقود المعارضة تمثيلاً حقيقياً، يجب أن يكون ضمن مكوناته أقليات ورجال أعمال كبار في سوريا – وهي المجتمعات التي تدعم حكومة الأسد عموماً – وألّا يعتمد هذا الائتلاف، بشكل أساسي، على المغتربين.
إنّ من شأن تنفيذ تلك الخطوات، أن يساعد في خلق قوّة معتدلة قادرة على مواجهة “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، إلى جانب تمهيد الطريق أمام مفاوضات سياسية وطنية حقيقية. وفي حال لم يوافق شركاء أميركا الإقليميين والمعارضة السورية على العمل على إنجاح الإستراتيجية والتكتيكات، وفي حال لم توسّع إدارة أوباما نطاق مساعداتها ومهمتها الجويّة، فيصبح على واشنطن أن تتخلى عن هدف الحد من نفوذ “الدولة الاسلامية” خلال السنوات المقبلة.
وبعد عامين من الخبرة، علينا أن ندرك أنّ الإجراءات المحدودة لا تكفي لمواجهة التهديدات الرئيسة في سوريا. فشركاؤنا الأجانب يريدون الرؤية والقيادة الأميركيتين لاحتواء المتطرفين، وإطلاق مفاوضات ناجحة لتشكيل حكومة وحدة وطنية سورية، وهو الإصلاح المستدام للقضاء على التهديد الذي يمثله هؤلاء. دعونا نعطيهم ما يريدون.
*سفير واشنطن السابق لدى دمشق
عن صحيفة السفير