محنة التعليم في زمن الكارثة المعيشية
غالب قنديل
ستواجه مؤسسات التعليم الرسمي بجميع المراحل ازدحاما استثنائيا وغير مسبوق خلال الفترة القريبة القادمة نتيجة تحول تراكمي كانت طلائعه قد تبدت خلال العام الدراسي الماضي الذي قطعته الجائحة الوبائية وسنكون خلال أسابيع أمام مشاهد صادمة وغير مسبوقة لحشود على أبواب المدارس والمؤسسات الرسمية بعدما تقلص حجم الشرائح الاجتماعية القادرة على تحمل أقساط التعليم الخاص وأكلافه وعلى الرغم من رمزية رسوم التسجيل في التعليم الرسمي لكن عبئا غير قليل ستمثله كلفة الكتب والقرطاسية بالنسبة للعائلات محدودة الدخل التي باتت غالبية ساحقة في ظروف الخراب والانهيار.
أولا ما يلفت الانتباه أن أمور العام الدراسي والواقع التعليمي متروكة رهن آليات روتينية ليست كافية بالتأكيد للتعامل مع وضع استثنائي ونأمل من الحكومة العتيدة بعد انطلاقها اتخاذ تدابير عاجلة وطارئة في التعامل مع الواقع التعليمي ومستلزماته في مستهل العام الدراسي سواء على مستوى الطاقة الاستيعابية للمباني المدرسية الرسمية الابتدائية والمتوسطة والثانوية أو على صعيد أسعار الكتب المدرسية والقرطاسية واللوازم الدراسية الأخرى أو على مستوى معضلة انتقال الطلاب الى المباني التعليمية من أماكن السكن التي تستدعي وسائل نقل ملائمة في زمن شح المحروقات وارتفاع كلفة الحصول عليها ويمكن بالقليل من الدراية والحكمة اتخاذ تدابير فاعلة ومجدية وليس فقط الاكتفاء برقابة عامة وغالبا غير مأمونة أو فاعلة على تحكم العقول والمصالح التجارية التربحية في مختلف مستويات العملية التعليمية كما يحصل غالبا في بلد الإشعاع والنور.
ثانيا يمكن للحكومة العتيدة الحصول على هبات ومساعدات عاجلة من دول عديدة أبدت استعدادها لمؤازرة لبنان في هذه الظروف الصعبة ويمكن لها مباشرة استدراج عروض المساعدة الطارئة من أصدقاء أظهروا حمية لا تشوبها شهوة الصفقات وسعار التربح في ظرفنا الضيق غير العادي ولا مجال غير معاكسة رغبات بعض أهل النظام المنخلعين غربا في ارتهان واستلاب وشراكات غير نظيفة معروفة مع الشركات الأجنبية ووكلائها وسماسرتها فماذا يمنع التوجه إلى روسيا وايران لطلب الحصول على هبات وعروض شراكة استثمارية في النقل العام سواء في شبكات الحافلات او سكك الحديد والقطارات الحديثة ويمكن كذلك الحصول على مساعدات من النفط والمحروقات تخصص فعليا لحافلات النقل المدرسي ولشبكات النقل العام وعلى المديين الطارئ العاجل والمتوسط زمنيا بحيث تتوفر في البلد شبكة نقل عام شعبية مقبولة الكلفة وتشرع بنتائجها التراكمية تخفف من وطأة التمركز السكاني في المدن وتقود تدريجيا لإحياء الأرياف وانتعاشها الاقتصادي الطبيعي.
ثالثا التحرك وبسرعة لمسح احتياجات المباني المدرسية وتجهيزها بإدارة مدروسة منهجيا لتوزيع الهبات والمساعدات والموارد المتاحة وتحريك الورش الفنية وعقد الاتفاقات الطارئة في إطار خطة شاملة لإطلاق العام الدراسي وضمان انتظام التعليم في جميع المناطق اللبنانية بدون استثناء وهذا الملف يستحق متابعة استثنائية من جانب الحكومة لحشد الموارد والإمكانات وتحقيق الجاهزية المطلوبة في أقصر المهل الزمنية المتاحة وهذا الملف يجب أن يوضع فورا قيد التنفيذ من غير أي تماهل او تأخير فالوقت داهم وملح وينبغي الانتباه إلى ضورة العناية بأحوال المعلمات والمعلمين في مختلف المراحل فهم روح العملية التعليمية وما يعانونه من متاعب معيشية واجتماعية لا ينبغي اهماله وتنحيته عن جداول الأولويات العاجلة.
دائما اعتبر اللبنانيون ان مستوى التعليم والإقبال عليه هو من دواعي التفاخر والاعتزاز واليوم في ساعة الحقيقة يفترض بهم البرهنة فعلا على كل ما تراكم من الخطب حول حضارية وطننا وتمسك شعبنا بالثقافة والعلوم وبمقدار ما تكون نخوة المجتمع والمؤسسات مقنعة في إحياء فرص التعليم وانعاش مؤسساته بقدر ما نوفر مستلزمات البناء الحقيقي لاقتصادنا الوطني على أسس سليمة ومتينة.