من الصحافة الاميركية
وصفت صحيفة نيويورك تايمز ردة فعل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعد إعلان الشراكة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، بشأن الغواصات النووية، بـ”المقامرة الكبيرة“.
واندلعت هذه الأزمة بعد أن أعلنت الدول الثلاث الأسبوع الماضي إطلاق شراكة استراتيجية لمواجهة الصين، تتضمن تزويد كانبيرا بغواصات تعمل بالدفع النووي، ما استدعى رد فعل عنيفا من جانب باريس. وتعتبر فرنسا أن الاتفاقية، التي تأتي في الفترة التي تسبق الانتخابات الفرنسية المزمع إجراؤها في أبريل، بمثابة خيانة لها.
تقول الصحيفة إن فرنسا استخدمت لغة بعيدة عن الدبلوماسية، ناهيك عن الدبلوماسية بين الحلفاء. وجاء في التصريحات الفرنسية مفردات، مثل “الأكاذيب”، و”الازدواجية”، و”الوحشية” و”الازدراء”. كما استدعت فرنسا سفيرها لدى الولايات المتحدة للمرة الأولى على خلفية أزمة الغواصات النووية.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن ماكرون اختار التصعيد ردا على الخطوات السرية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ببيع الغواصات التي تعمل بالدفع النووي لأستراليا، التي بدورها ألغت صفقة غواصات اعتيادية كانت تسعى لاستيرادها من فرنسا، خصوصا أن هذه الخطوة جاءت قبل ستة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية.
وتتمثل إحدى الأفكار التي تدور رحاها في أروقة الإليزيه بانسحاب فرنسا من هيكل القيادة العسكرية المتكاملة لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، والتي عادت للانضمام إليه عام 2009، بعد غياب دام 43 عاما.
وعلى الرغم من تصريحات ماكرون العام 2019 بقوله إن الناتو “ميت سريريا”، فإن فكرة انسحاب فرنسا من حلف الناتو ستكون خطوة “راديكالية”، كما تقول الصحيفة.
كانت فرنسا انسحبت من هيكل القيادة العسكرية للناتو العام 1966، واقتصر تواجدها على عضوية الحلف.
وقال وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، كليمنت بيون، الثلاثاء، إنه سيطرح الاتفاقية التجارية والتداعيات الأمنية للاتفاق، المعروف باسم “أوكوس”، في اجتماعه مع نظرائه في بروكسل، مشيرا إلى أن فرنسا ستصر على مناقشته في قمم الاتحاد الأوروبي والاجتماعات الوزارية الشهر المقبل.
وقال بيون للصحافيين “إنها مسألة ثقة، عندما تقطع وعدا، يكون له قيمة بين الحلفاء وبين الديمقراطيات وبين الشركاء، وفي هذه الحالة لم يحترم الوعد… وهذا يشكل بطبيعة الحال خيانة للثقة”.
وتعكس الأزمة الأخيرة بين فرنسا من جانب، والولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا من جانب آخر، حالة من “عدم الثقة” في العلاقات من منظور دولي جديد، لكن يتوقع محللون ألا تستمر الأزمة طويلا
إلى ذلك قالت الصحيفة إن فرنسا تشعر بالإهانة، ولن تنسى بسهولة ما تراه صفعة أمريكية على الوجه، وصفها وزير خارجيتها بأنها “لا تطاق”.
دعت ليزا كيرتيس مديرة برنامج أمن إندو- باسيفيك بمركز الأمن الأمريكي الجديد والمسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي واشنطن إلى تجنب الأخطاء الدبلوماسية التي أفشلت الانسحاب من أفغانستان.
وقالت في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” إن الولايات المتحدة أنهت وجودها في أفغانستان وبدأت الآن بالبحث عن أسباب الفشل العسكري الأمريكي على مدى 20 عاما. إلا أن النهاية الكارثية للحرب لم تكن في ميدان المعركة ولكن نتيجة لكاتالوغ من الأخطاء، وعلى واشنطن إعادة النظر بجدية في جهودها الدبلوماسية، وبخاصة اتفاقية السلام مع طالبان التي قادها المفاوض الأمريكي زلماي خليل زاد.
وأضافت أن المفاوضات التي تمت بناء على شروط طالبان والتي لم تكن ضرورية أو مرغوبة، والاتفاقية التي وقعت في الدوحة سرعت من انتصار الحركة.
مشيرة إلى أنه “لو أراد بايدن أن يحكم على انسحابه من أفغانستان، كقرار دبلوماسي مقبول فعلى إدارته أن تتعامل مع الفشل الدبلوماسي واتخاذ الخطوات الصعبة والواقعية تجاه طالبان. والقيام بهذه الخطوات هي الطريقة الوحيدة لمنع عودة ملجأ للإرهاب العالمي. وللأسف، فتسرع إدارة ترامب لتوقيع اتفاقية مع طالبان سيعقد من العملية”.
وبعد ثلاثة أعوام من المفاوضات، أدت لتقوية المتشددين في طالبان حيث بات عدد كبير منهم يلعب دورا مهما في الحكومة الجديدة مثل سراج الدين حقاني التي ارتبطت حركته بالقاعدة.
وبعد تشكيل استراتيجية ما بعد الانسحاب، على المسؤولين الأمريكيين تغيير أساليبهم الدبلوماسية- أي الحكم على طالبان من خلال أفعالها قبل منحها وقادتها الاعتراف الدولي. ومدخل كهذا مرفق باستراتيجية مكافحة الإرهاب هو الطريقة الوحيدة لحماية المصالح الأمريكية في السنوات المقبلة.
ومع أن الولايات المتحدة خاضت مفاوضات مع طالبان ولعدة سنوات إلا أن نهجها قام على التعلل بالأماني. وكما كشفت “أوراق أفغانستان” التي نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” عام 2019 فإن القادة العسكريين رسموا في معظم الأحيان تقييما ورديا للوضع العسكري أو أخبروا القادة السياسيين أنهم لم يتركوا حجرا إلا وقلبوه في الحرب ضد طالبان، رغم أن الواقع يقول العكس.
وذكرت الكاتبة أنها شاهدت أثناء عملها كمساعدة ورئيسة لمجلس الأمن القومي لشؤون جنوب ووسط آسيا في الفترة ما بين 2017- 2021 المسؤولين المدنيين يتجاهلون أو يخفون الحقائق التي لا تتناسب مع أجندتهم الدبلوماسية. وأدى هذا إلى عدد من الأخطاء التفاوضية الجسيمة والتي أنتجت اتفاق الدوحة والذي عبّد الطريق أمام خروج الولايات المتحدة مقابل تعهد طالبان بمحاربة الإرهاب والإمتناع عن استهداف القوات الأمريكية وهي في طريقها للخروج.
وكان أول خطأ ارتكبته الولايات المتحدة هو الاعتقاد الضال بأن طالبان ستتفاوض في فترة لاحقة مع الحكومة التي تدعمها الولايات المتحدة في كابول- والتي استبعدتها واشنطن من محادثات الدوحة، وهو ما أضفى الشرعية على حركة طالبان.
أما الخطأ الثاني فهو الفشل في ربط ظروف السلام بمستويات العنف التي ترتكبها طالبان. وكان عدم استعداد واشنطن لتعليق المفاوضات، حتى وسط تصاعد العنف، وكشف عن الحالة اليائسة للولايات المتحدة ومحاولتها الحصول على صفقة. وكل ما حصلت عليه الولايات المتحدة هو اشتراط تخفيض العنف لمدة ستة أيام قبل توقيع الاتفاقية.
أما الخطأ الثالث والذي عبر عن أمان أمريكية، وهو أن طالبان مهتمة بالمفاوضات السياسية ولا ترغب بالوصول إلى السلطة عبر القوة العسكرية، وإجبار حكومة أشرف غني للإفراج عن 5.000 سجين بدون أي تنازلات من طالبان مثل تخفيض العنف. ومن بين الذين أفرج عنهم رقيب عسكري في الجيش الأفغاني، هو قاري حكمة الله الذي قتل عام 2012 ثلاثة جنود أستراليين بدم بارد عندما كانوا يرتاحون في قاعدتهم. وناشد رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون ترامب بألا يضغط على غني للإفراج عن حكمة الله. وكان من غير الضروري الإفراج عن هذا القاتل، وبخاصة مع معارضة حليف موثوق به لهذا الإفراج.
ومن جانبها تأملت إدارة ترامب أن يؤدي الإفراج عن حكمة الله إلى تسهيل محادثات السلام، وهو اعتقاد ثبت خطؤه. وبدلا من ذلك استخدمت طالبان محادثات الدوحة لتعزيز شرعيتها الدولية وتقسيم القيادة الأفغانية. وأدت كل التنازلات الأمريكية إلى إضعاف حكومة غني وبذرت الانقسام داخل القيادات المعارضة لطالبان وأظهرت لقوات الأمن الأفغانية أن الولايات المتحدة تقوم باستبدال الخيول مما أضعف من إرادتها على القتال.
وكانت الولايات المتحدة في وضع أحسن لو تفاوضت مباشرة مع الحكومة الأفغانية، وهو أمر اقترحه غني عام 2019. ولو فعلت هذا لتجنبت أمريكا انهيار معنويات شركائها الأفغان. ولكن واشنطن انتهت بتوقيع معاهدة مع عدو الحكومة الذي قاتلته مدة 20 عاما وانسحبت بشكل متتابع، أي أنها سلمت البلاد إلى حركة طالبان. وفشلت الولايات المتحدة بتقييم علاقات طالبان مع الحركات الإرهابية، فرغم زعم كل من وزير الخارجية مايك بومبيو وخليل زاد أن طالبان قطعت علاقاتها مع القاعدة إلا أن الأدلة تشير لغير هذا. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2020 قال إدموند فيتون- براون منسق فريق رصد تنظيم داعش والقاعدة وطالبان في الأمم المتحدة إن طالبان وعدت القاعدة قبل توقيع اتفاق الدوحة أنها ستحافظ على التحالف معها. وقال إن القاعدة تحتفل برحيل القوات الأمريكية والناتو باعتباره انتصارا للراديكالية العالمية.