بري وأولويات الإنقاذ والتغيير
غالب قنديل
رغم متلازمة التعب والانهاك الشديد التي تختصر حال اللبنانيين في يوميات التأزم الموحلة والمؤلمة بعد الخراب والتداعي الشامل اقتصاديا وماليا ومن قلب الحالة المؤلمة اشتق الرئيس نبيه بري من التهديد فرصة وجدد تأكيد تطلع مستقبلي يثابر عليه مع ما عرضه من مواقف راهنة على محك الأحداث والتحديات بقيم الإمام الصدر ومنطلقات حركة المحرومين وبروح المقاومة الوطنية والاجتماعية التي انطلقت نواتها قبل عقود مع تأسيس حركة أمل وقد جدد بري محتوى الموقف السياسي الراهن بهمة مقاومة الانهيار الخطير وبروح تغييرية مستقبلية.
أولا البدء والختام عند الرئيس نبيه بري في أي مشروع انقاذي واصلاحي ثابر على تحريكه وطرحه كما ليس من أدب المناسبات بل هو واقعيا البرنامج الراهن والملح بعد كل ما جرى وتكشف من الوقائع والرئيس بري مصمم على شق الطريق للخطوات الممكنة في مسار التحرر من الصيغة الطائفية للسلطة بعدما ثبت بالتجربة مدى قصورها وتخلفها وعجزها اضافة الى كونها ولادة انقسام وفتن متجددة في المجتمع ووهي وصفة لاستدامة الحروب الباردة على سمت العصبيات التي تشل الكتلة الشعبية الدافعة للتقدم والتغيير وتحول دون حسمها للمعادلات السياسية في سبيل الانتقال إلى وضع جديد وهي الصيغة المانعة للتطور والتقدم وهذه المسألة الجوهرية هي بيت الوجع اللبناني الأول ووصفة المجلسين التي أكد بري على التوجه اليها اجرائيا بنص قانوني جديد عبر تأسيس مجلس للشيوخ يمثل الطوائف وتحرير الانتخاب النيابي من القيد الطائفي هي التعبير الدقيق عن مضمون الانتقال المنشود دستوريا وتمثيليا من النظام الطائف المتعفن والمتخلف إلى هيكل الدولة الحديثة القابلة للحياة والتجدد.
ثانيا خلافا لما قد يزعم البعض او يتذرعون دفاعا عن مصالح ومواقع باتت عبئا على البلاد والعباد بعد الانهيار نجزم أن الوقت الملائم هو الآن ودون أي تأخير والظرف الحرج يوجب ازالة العراقيل بسرعة وبحسم فأي زمن أدعى لتجديد الإرادة الشعبية وتحفيز روح التغيير من واقع الانهيار بحيث يكون النهوض تعبيرا عن تجديد الواقع السياسي بزخم شعبي يناسب ارادة من الكارثة تدشينا لمسار تاريخي جديد ينطلق من تجديد الدولة الوطنية وهياكلها لترقى إلى جبه تحديات اعادة البناء الوطني والنهوض بها وهذا هو محتوى الانقاذ الحقيقي في الاقتصاد كما في السياسة وجميع الشعوب التي عبرت مراحل مشابهة لم تستطع تجاوز الترابط العضوي بين التغيير في هياكل السلطة وبنى المؤسسات والمحتوى الاقتصادي الاجتماعي للنظام السياسي ومهرطق من يناكف او يجادل في راهنية الانتقال إلى نظام المجلسين وتحرير التمثيل النيابي من القيد الطائف فعوائد الخطوة على الحياة الوطنية ستكون أسرع علاج ضد استنفار العصبيات وتجدد الانقسامات في توقيت مصري هو الأدعى لبلورة كتلة شعبية قادرة على النهوض بالبلد في جميع المجالات وبلورة نظام سياسي قابل للتطور.
ثالثا إن هذه العملية التي يعتزم الرئيس بري تحريكها دستوريا وسياسيا من المجلس النيابي تستحق تجاوب سائر الأطراف والقوى ويفترض بمن يقدمون أنفسهم بخطب تغييرية ان يكونوا بين المبادرين بسرعة إلى ملاقاة مبادرات بري بتحركات سياسية وشعبية داعمة لمبادرته بعيدا عن مفردات المناكفة وعقلية تسجيل النقاط وواجب الأحزاب والتنظيمات التي تعلن التزامها بالعمل لتحديث النظام وهياكله ومؤسساته ان تصب الجهود مع رئيس المجلس النيابي في العمل لإحداث هذه النقلة التاريخية التي منعها التخلف والتشتت السياسي طويلا منذ اتفاق الطائف دون طائل وقد تشكلت جبهة العرقلة والتأخير من حلف متنافر تلفه عصبيات وحسابات غير مبدئية وقفت خلف تأخير الإصلاح الدستوري المستحق بدوافع فئوية بينما كان الرئيس نبيه بري هو الصوت الصارخ باستمرار في برية النظام الطائفي داعيا لتجاوز صيغة سقيمة أثبتت التجارب الدامية أنها ولادة للفتن والانقسامات بينما السقف المفتوح لتسوية الطائف مبني على التدرج في تخطي الطائفية السياسية لمراعاة الحساسيات والعصبيات الانقسامية التي يتذرع بها بعض من يختبئون خلف خطب فئوية لمنع التغيير حتى لو انتحلوا هوية وموقفا مغايرين فالمحك الفعلي للتغيير في لبنان هو مدى التقدم نحو الدولة المدنية الحديثة والمعنى الوحيد لذلك في واقعنا المجتمعي المريض وموروثة من العصبيات المتأصلة هو بناء نظام المجلسين بتحرير التمثيل النيابي من القيد الطائفي وباستحداث مجلس للشيوخ وهو ما سيعطي حيوية خاصة للمؤسسات ويرسخ تقاليد جديدة على صعيد الحياة السياسية والدستورية ويجدد بنى الدولة الوطنية والمعنى الوحيد للتوجه التغييري في الواقع اللبناني هو تبني هذا المشروع بقانون دستوري يؤسس مجلس الشيوخ وينظم التشريع في عمل المجلسين على أسس جديدة انطلاقا من الغاء طائفية التوزيع النيابي لمقاعد المجلس النيابي وهذه النقلة الهائلة في الحياة الوطنية ستكون خطوة تاريخية تطور الحياة السياسية وتبلور تقاليد جديدة.