قد تموت الأفاعي من سمّ العقارب ثريا عاصي
يصر فطاحلة الليبرالية على أن ما يجري في سوريا هو «ثورة» بدأت سلمية . ثم لجأت مضطرة، إلى العنف الثوري في مواجهة قمع السلطة . نقطة على السطر . أي أنهم لم يأبهوا إلى تدخل الدول الأجنبية، كمثل تركيا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل إلى جانبهم في حرب فعلية، ليس ضد السلطة السورية فقط ولكن ضد الكيان السوري كدولة ووطن . تمثل ذلك في التهجير القسري بوسائل وأساليب إجرامية بربرية، بقصد إفراغ البلاد من أكبر عدد ممكن من السوريين . آلة حرب جهنمية شارك فيها سوريون، تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية وأذنابها في أوروبا إستهدفت في الواقع الإنسان السوري ومقومات عيشه . إرادة إقصاء وإفناء لم تترك مرفقاً إقتصادياً استطاعت الوصول إليه إلا ودمرته أو أحرقته. يصرّ فطاحلة الليبرالية في بلاد العرب، الذين يبدو أنهم إكتشفوا متأخرين مساوئ وإخفاقات المعسكر السوفياتي، على تصفية الحسابات معه في بلاد الجمهوريات العربية العليلة، بإتباع النهج الذي سلكه مثقفو وكالات الدعاية في الغرب، بدءاً من أواسط سبعينيات القرن الماضي، أي غداة سقوط سايغون وهزيمة الولايات المتحدة الاميركية في فيتنام (1975). الغاية تبرر الوسيلة، بحسب مفهوم فطاحلة الليبرالية العرب . الإشكال هو أن الأخيرين يتحمسون في سنة 2015، لثورات مزيفة تقودها الولايات المتحدة الاميركية، يمولها آل سعود ومن هم على شكالتهم ضد عدو وهمي لم يعد له وجود منذ 1991.
ما أود قوله في هذا السياق هو أن الذين ما يزالون يعملون في الترويج لثورة مزعومة، هي في الحقيقة حرب عدوانية آثمة، لا يستحقون في الظروف الصعبة، حيث ان وجودنا جميعاً صار في خطر، إلا الإهمال والإزدراء. المسألة المركزية في الراهن هي من وجهة نظري، كيف يقاوم وينتصر الضعفاء والفقراء على عدو يتفوق عليهم عدداً وغنى وتنظيماً وعدة وعتاداً . بكلام أكثر صراحة ووضوحاً، كيف يقاوم السوريون وحلفاؤهم حرباً يشارك فيها تركيا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وإنكلترا وإسرائيل وآل سعود وقطر والإمارت والكويت والأردن، والمغرب ! بالإضافة إلى فريق من السوريين. كان الجزائريون، يصنفون الذين يقاتلون إلى جانب المستعمرين الفرنسيين في خانة يسمونها «الحركيين». «الحركيون» كانوا أثناء الحرب، أعداء الجزائر . إن الغاية من رد المعتدين الذين ذكرنا أعلاه، هي تخليص سورية من براثنهم واستعادتها من قبل السوريين، بما هي موطن لهم . بمعنى آخر أن السوريين يخوضون، اليوم في سنة 2015، حرب تحرير وطني . من البديهي أن هذا يفترض وجود أمة سورية، تكونت قبل الحرب، أو هي قيد التكوين والتكامل في ظل العدوان والإحتلالات، من الذين استفاقوا ووعوا أنهم في خطر في الحاضر والمستقبل، فاتخذوا قراراً بملء الإرادة بأن يكونوا سوريين وبالتالي فإن الوطن سورية هو ضرورة لا غنى عنه ولا وجود من دونه. كم ستستغرق حرب التحرير الوطني من سنوات؟ كم ستتطلب من تضحيات؟ يتوقف هذا كله في المحصلة على صلابة وحيوية الأمة وعلى درجة إنضمامها الفعلي إلى كفاح الغزاة. ماذا كنت َ تفعل أثناء حرب التحرير؟ هذا سؤال جزائري مفيد أيضا! هناك تجربة تحريرية ثانية تتمثل بالمقاومة التي نهضت في لبنان، ضد إحتلال المستعمرين الإسرائيليين في العقدين الأخيرين من القرن الماضي . هذه التجربة كان السوريون والإيرانيون شركاءً فيها . ولكن الأمة اللبنانية كانت شبه غائبة بنسبة ملحوظة . يحسن التوقف أيضاً أمام حرب تموز 2006، عندما ظن الإسرائيليون انهم قادرون على تصفية المقاومة في لبنان، تمهيداً لغزو سوريا ومن ثم استرجاع إيران. فشلوا في ذلك، كما هو معروف. ربما هذا الفشل حمل الولايات المتحدة الأميركية على تبديل خطة ضرب سوريا. من البديهي أن ظروف تحرير الجزائر (1954 ـ 1962 ) تختلف عن ظروف الحرب على سوريا(2015). لا سيما أن استعمار الجزائر كان إستيطانيا في حين أننا لا نستطيع أن نقول أن للمستعمرين موطئ قدم في سوريا، رغم أن ذلك ليس مستبعدا ! تختلف وسائل النضال بموازاة اختلاف الظروف، واختلاف أدوات المستعمر!
في السياق نفسه، تجدر الإشارة الى أن المستعمرين تبدلوا أيضاً، بمعنى أن المنافسة إنتهت فيما بينهم، فتوحدوا في نظام معولم تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية . هكذا صاروا مجتمعين، طائعين لأوامر قيادتهم، الأقوى والأغنى والأكثر تقدما تقنياً . إذ استطاعوا أن يبسطوا نفوذههم على جزء كبير من مصادر الطاقة والثروة المعروفة في العالم، فضلا عن تحكمهم بالنظام النقدي الدولي . الحصار الإقتصادي سلاح فعّال، يمسك به حصريا، نظام العولمة.
أخيراً، ما هو الموقف من رجل تجند في جماعات آل سعود، بأجر يتراوح بين 400 و600 دولار شهرياً، وأُرسل ليقتلك. عبثاً تحاول أن تقنعه بأن تجارته خاسرة. فأنت أقرب إليه وأكثر فائدة له، من مشغليه الحاليين المؤقتين . أرسلوه ليقتلك لأنك لست على دين آل سعود، ولا تقبل الإنصياع لإرادتهم، وتحفظ أمانة شركائك في الوطن . الشراكة بالدين خدعة وكذبة . الله وحده يعلم ما في القلوب ! إن انتصار الفقراء والضعفاء يكون بتلقين أعدائهم أنهم لن يستطيعوا إختراقهم وتفرقتهم، وان الإنتصار عليهم مستحيل . إستخلص الفرنسيون الدرس في الجزائر، فقرروا الإنسحاب. نفس الدرس كان ليتعلمه المستعمرون الإسرائيليون، ولكن وقوف الولايات المتحدة الاميركية وأذنابها في أوروبا بالإضافة إلى انضمام الرجعية النفطية الخليجية إليهم، ينسيهم ما تعلموه فيكررون محاولة الإنتصار ويفشلون . فهل يتمكن السوريون من أن يثبتوا لأعدائهم انهم قرروا أن لا يهزموا، وان مواصلة العدوان ذات تكلفة يصعب عليهم تحملها؟.
(الديار)