الحرب على اليمن : البيئة الإستراتيجية ، المألات و التداعيات ، والأثمان المُقدرة.. بقلم حسن شقير
البيئة الإستراتيجة في المنطقة .. ومفتاح اليمن
في عددها الصادر في 09-10-2009 ، نشرت مجلة ” Foreign Affairs ” ، دراسة مطولة لمستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق بريجنسكي ، جاءت تحت عنوان ” أجندة جديدة للناتو نحو شبكة أمن عالمية ” ، والتي جاءت عقب اجتماع قادة دول اعضاء الحلف في
الذكرى الستين لتأسيسه …
في تلك الدراسة الملفتة ، أشار بريجنسكي إلى أن الدول الأعضاء ، كلفت الأمين العام الجديد ( الحالي ) للناتو ، بأن يطوّر مفهوماً استراتيجياً جديداً للحلف …. ينعامل على الأقل مع أربع من المتغيرات الأساسية ، والتي كانت إحداها
” إشراك روسيا في علاقة ملزمة ومجزية للطرفين ”
لم يطابق حساب الحقل عند بريجنسكي البيدر الروسي ، فلم يكن أمام الأطلسي – والحال كذلك – ، إلا ّوجعل داعش وتعظيم خطرها القادم على أوروبا ، رافعة ً حقيقية للفشل الذي أصاب سياسات الناتو واستراتيجيته تلك تجاه روسيا …فكان الإجتماع الأخير
لقادته في مقاطعة ويلز البريطانية ، والمقررات الصادرة عنه ، ما هي إلا ّ محاولة ٌ أطلسية لتطويق روسيا وتحجيم دورها القادم في الشرق الأوسط برمته .
لأجل ذلك كله ، يمكننا أن نفسّر تلك ” الصحوة ” الأخيرة لحلف الناتو في الإنفتاح على منطقة الشرق الأوسط ، وتأطير بعض من دوله الخليجية وغيرها من الدول العربية ، بحيث يكون محاربة ” الإرهاب الداهم عليهم ” ، عنصراً جاذباً ومطوِّقاً لهم
في أنٍ واحد !
إذاً ، فلقد شكل ظهور داعش ، وتمددها السريع في الجفرافيا ، عنصراً جديداً ومؤثراً ، و عاملا ً حيوياً في الإستراتيجيتين الأمريكية والصهيونية على حد سواء ، وذلك في دفع وتنفيذ مشاريعهما في المنطقة العربية …وهذا ظهر جلياً في حديث كل
من عاموس يادلين وبني غانتس ، حول الحوافز التي توفرها داعش واستثمار إدامة الحرب عليها لدى الكيان الصهيوني ..
لقد تقاطعت أهداف أمريكا ومعها الغرب ، مع الحوافز الصهيونية ، في استثمار داعش وخطرها وحتى في الحرب عليها … ولعل الخاسر الأكبر في ذاك التحالف ، هي تلك الدول العربية ، والتي اعتادت أن تكون بقرةً حلوب من تاريخ نشوئها ، ولغاية اليوم
… يليها في الخسارة – وبكل أسف – محور الممانعة برمته ، والذي يُراد له أن يقبع في مرحلة الإستنزاف المديد …وبالتالي ، فإنه كان على محور الممانعة انتظار تطورات مفصلية ، والتي يمكن لها أن تقلب الصورة رأساً على عقب ..وتفرض على أسياد التحالف المقابل أن يطرحوا
سؤالاً على الممانعين ، يُختصر بكلمتين : ماذا تريدون ؟
مألات الحرب على اليمن ..تفتح كوة في جدار الإستنزاف
من هنا ، فلقد شكّل المشهد اليمني الحالي والمستقبلي – باعتقادنا – المفتاح الرئيس لإمكانية جري هذا التساؤل على ألسنة أولئك
يتربع مشروع الأقلمة في متن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي المنشورة مؤخراً ، والتي ورد فيها حول اليمن : “نريد تحقيق الاستقرار في اليمن، والقيام بإصلاح بنيوي، ومواجهة التهديد النشط من تنظيم القاعدة والمتمردين الآخرين” !!
لأجل ذلك ، سنحاول تبيان الصورة في اليمن ، وذلك وفقاً لمشهديتين اثنتين كان يشتهيهما حلف أمريكا الثاني :
– مشهدية الأقلمة : والتي تنطوي على التقسيم المقنّع ، والمتماهي مع ” الإصلاح البنيوي ” ، فإنها – أي هذه المشهدية – لا مكان لها اليوم في الجغرافيا اليمنية ، وذلك لإعتبارات شتى ، تبدأ داخلية ، ولا تنتهي عند مثيلاتها الإقليمية وحتى الدولية
، وخصوصاً أن هذا النموذج ، يُحارب ، ومنذ حوالي الأربع سنوات في المنطقة برمتها … وذلك نظراً لتداعياته الإقتصادية والسياسية والإستراتيجية على مجمل النظام الدولي المبتغى من قبل إيران وروسيا تحديداً .
– مشهدية الحرب الأهلية ، والتي تُدفع إليها اليمن رويداً رويداً ، علّ ذلك سيجعل من إيران والقوى التي تُحسب عليها في الداخل اليمني ، بأن ًتتراجع تحت وطأة الخوف من الإستنزاف الجديد …
التعويل على هذه المشهدية ، ينم أيضاً عن قصر نظرٍ سياسي فاضح ، ناهيك عن أنها سيفٌ ذو حدين ، فمن جهة الإستنزاف ، فهو ليس مضموناً إطالة زمانه من جهة ، ولن يكون بالتأكيد محسوباً على جهة واحدة من دون جهة أخرى … هذا فضلا ً عن أن دخول
اليمن في معترك الحرب الأهلية والفوضى ، مع موقعه الإستراتيجي المميز على البحر الأحمر ، وعلى الكتف السعودي ، سيجعل من هذه اللعبة ، لعبة خطرة ، قد تنقلب في تداعياتها ، على كل من يروج ويُسهّل للوصول إليها ..
إذاً ، يُشكل العبث بتلك المنطقة الحساسة في العالم ، – وبإجماع الخبراء – ، عائقاً كارثياً أمام إنتعاش الإقتصاد العالمي برمته .. هذا فضلا ً عن التداعيات الخطرة والأكيدة على الجغرافيا الخليجية تحديداً …
الأثمان المفترضة والمُقدرة في تكلفة التسوية فيما وراء اليمنية
منذ الساعات الأولى لبدء العدوان على اليمن تيقنت إيران بأن السعودية مهزومة في اليمن ، لا بل أن شعاع هزيمتها سيتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد من اليمن ، وأنها كانت تترقب ذلك سريعاً ، نظراً لعلمها المسبق بما هو موجود في الميدان اليمني من
جهة ، واقتناعها بأن المحفزات السعودية المُقدمة لأمريكا في اليمن ، لكي تأذن لها بالعدوان ، قد تلاشت تماماً من جهة ثانية …مما حتم على أمريكا إسترداد الملف اليمني سريعاً من اليد السعودية ، مخافة وصول حرب اليمن إلى مرحلة الرد اليمني ، والذي سيجعل من الصراع منزاحاً
من الجغرافيا اليمنية نحو السعودية بحده الأدنى ، وبالتالي فإن تطور الأوضاع في المملكة العربية السعودية ، سيصبح غير مدرك النتائج على الأوضاع الداخلية فيها ..
ماذا يعني ذلك ؟ هل يمكن أن تدخل المملكة في عصر الإحتراب الداخلي على خلفية الملف اليمني ؟ وهل يمكن أن يؤدي هذ الإحتراب إلى استنزاف معكوس هذه المرّة ؟ وهل أن الدول الخليجية الأخرى ستصيبها العدوى ؟ وهل يناسب أمريكا وأوروبا أن يحدث تفكك
للدولة القطرية في الخليج مع أهميتها الإستراتيجية في النظام العالمي الجديد ؟ وهل أن المخطط الصهيوأمريكي لتفتيت الدول العربية غير الخليجية ، ينسحب على تلك الخليجية ؟
لعل نصائح أوباما الأخيرة ، تُشير بوضوح إلى حرص أمريكا وكذا أوروبا ، ومن خلفهم الكيان الصهيوني ، على الدولة القطرية الخليجية بصيغتها الحالية ، دون أي تعديل عليها .. وذلك لأن المصالح الإستراتيجية العليا لهؤلاء يفرض عليهم ذلك ، وذلك
لأسباب جمة ، لا تنحصر عند احتياطات النفط العالمية ، والقواعد العسكرية الأمريكية والغربية في الخليج .. وصولاً إلى الأمن الصهيوني وربطه بالأمن الخليجي ، فضلا ً عن المصالح الإقتصادية الكبرى في العالم ….
إذاً ، هل أن حدوث ذاك التحوّل في مسار الحرب على اليمن ، سيفرض تدخل اللاعبين الدوليين الكبار ، لمنع حدوث شروخ ٍعميقة في النظام الدولي برمته ؟
– ساعتئذٍ ، ما هو الثمن المعقول والمقبول والمفترض إيرانياً مقابل الملف اليمني ؟
إن توقف ما يُسمى بعاصفة الحزم ، واستبدالها بما تُسمى بإعادة الأمل ، بالطريقة التي حدثت بها يُدلل على مدى التبعية السعودية لصاحب القرار الفعلي في واشنطن ، ، فإنه – وبناءً لتشخيصنا الأولي للتطورات اليمنية ، واعتبارنا بأن اليمن لابد
أن تكون الباب الرئيس للتسوية الشاملة ، أو الحرب الشاملة ، والتي لا مصلحة إقليمية ، أو دولية لنشوبها – ، لا بد للأكلاف التي يجب أن تُدفع لمنع اللهيب من الإرتداد ، يجب لها أن تكون ذات قيمة استراتيجية كبرى للاعبين الكبار في المنطقة والعالم … ، وذلك مشروطٌ بإنجاز
التسوية بين هؤلاء ، أما إذا كانت القضية ، هي بترٌ للسعودية لعدوانها ، فإن الحسابات المقابلة ساعتئذ ، ستكون مختلفة بكل تأكيد …
لنناقش المسألة في هذين البعدين ، فإذا كانت التسوية اليمنية ، هي في طور الإختمار ، نحو تبلور مبادرة متكاملة لحل الأزمة السياسية في اليمن ، فإن صيغة الحل ، أفترض أن تكون على الشكل التالي :
– مساعدة إيران في حفظ ماء وجه السعودية في المشهد السياسي اليمني الداخلي ، وبالتالي المحافظة على ستاتيكو الحدود السياسية والميدانية اليمنية – السعودية ، وذلك إلى ما قبل العدوان على اليمن ، وبالتالي يكون الخطر الذي كاد أن يُسبب بخلخلة
الدولة الخليجية ، قد انزاح عن الصاعق اليمني … وبالتالي ، فهل جاء الأمر الملكي للحرس الوطني السعودي بالمشاركة في هذ الحرب ، قبيل ساعات قليلة من تبديل إسمها ، للبحث عن الصواعق الداخلية في المملكة ؟
– في المقابل ، فإن المقابل لهذا ، لا يجب أن يكون أقل من تعهد سعودي ، ومن خلفه أمريكي بإطلاق اليد الممانعة في استئصال الإرهاب في المنطقة ، وذلك بالتغاضي أو حتى بالتكافل ، وصولاً إلى إقفال منافذه ومصباته على كل من سوريا والعراق ، من
بوابتيه التركية والأردنية على وجه التحديد …
إذا ما سارت الأمور – وفقاً للمشهدية أعلاها – فإن حسابات الربح في المنطقة ، هي بالتأكيد ، فوق رابح بالنسبة لإيران ومحور الممانعة معها ..
أما إذا كان توقف الحرب السعودية على اليمن ، قد أتى بتراً وفرضاً على العدوان السعودي على اليمن ، وذلك بالتكافل مع أمريكا أو بالفرض منها ، وذلك تجنباً للمألات والمعادلات التي قد ترسو عليها المنطقة برمتها … فإن ذلك سيعني بلا شك تمدداً
للمشهد العسكري في اليمن ، واكمال مسيرة الجيش وأنصار الله في ترسيخ المشهد الميداني ، وصولا ً إلى اكتمال المشهد السياسي ، بعيداً عن كل المرتبطين بالسياستين السعودية والأمريكية في اليمن ، وبالتالي ستفتح الكثير الكثير من الملفات السياسية ما بين اليمن بنظامه السياسي
المرتقب ، مع المملكة العربية السعودية ، وفي مقدمتها ملف الحدود ، والمناطق الثلاث … فيكون المشهد اليمني ، قد عاد في مساره ، إلى ما قبل ” عاصفة الحزم ” عليه … وكذا قطار إيران والممانعة سيتابع سيره نحو تضييق الخيارات أكثر فأكثر أمام أمريكا وتحالفها القديم
والجديد في اليمن ومحيطها ، وذلك كإكتمال للمشهد النووي السابق .
في القادم من الأيام ، ستنجلي الصورة أكثر فأكثر في المشهد اليمني ، والذي ستكون تداعياتيه حتمية على مسار الصراع في المنطقة برمتها .
أختم بتساؤلٍ بحاجة إلى نقاش : بالأمس القريب ، وقبيل نهاية إطلالته الإعلامية ما قبل الأخيرة ، ختم السيد نصرالله ، وذلك في معرض تقيمه لمألات الحرب على اليمن ، بأنه ” لا يرى في اليمن ، إلا ّبابٌ من أبواب الفرج للمنطقة بأكملها..” ؟
فهل ما قصده سماحة السيد ، هو ما افترضته أعلاه ؟؟؟؟
فهل ستتحقق هذه المشهدية ؟ أم أن السيف سيسبق العذل في مشهدية المنطقة برمتها ؟