أبعاد اميركية في التغييرات السعودية
غالب قنديل
حظيت التغييرات الأخيرة في المملكة السعودية باهتمام سياسي وإعلامي كبير بالنظر إلى اهميةالمملكة ودورها وإلى توقيت التعيينات المتلاحقة التي يجريها الملك سلمان بن عبد العزيز منذ توليه الحكم بعد وفاة الملك عبدالله ومن الصعب على أي مراقب إبعاد هذه التغييرات عن مسار الحرب السعودية على اليمن وتعثرها السياسي والعسكري بينما تصدر إشارات في وسائل الإعلام القريبة من الملك وفريقه إلى التحضير لاحتمال شن هجوم بري على اليمن عبر الحدود التي قضت الأوامر الملكية بنشر الحرس الوطني عليها ما عده البعض إبعادا لقوة الأمير متعب بن عبدالله الضاربة عن توازنات الداخل.
اولا مما لا شك فيه ان للتغييرات بعدا رئيسيا يتصل بإعادة رسم خريطة التوازنات في العائلة المالكة ولا يمكن تخطي المعنى الحقيقي لإبعاد ولي العهد مقرن بن عبد العزيز ووزير الخارجية سعود الفيصل بما هو إزاحة لرموز من العائلة المالكة واجنحتها بينما تفتح الطريق إلى انتقال واضح لعهد الأحفاد عبر التصعيد السريع لكل من محمد بن نايف وزير الداخلية وولي العهد ومحمد بن سلمان نجل الملك ووزير الدفاع اللذين جرى إعلانهما ثنائيا حاكما خلفا للملك الحالي عبر توليهما لولاية العهد بالتتابع حتى الآن على الأقل ورغم الشكوك التي ترددت حول احتمال إزاحة بن نايف لاحقا لحصر الوراثة بوزير الدفاع الحالي الذي ردد خبراء اميركيون يتقدمهم سايمون هندرسون معلومات عن تلقيه انتقادات كثيرة حول عثرات الحرب اليمنية التي يقودها خصوصا من عمه مقرن بن عبد العزيز الذي أبعد عن خلية إدارة الحرب التي كان من المتوقع ان يقودها ولي العهد بوصفها ازمة كبرى وفقا للعرف المتبع.
تضمنت التغييرات مواصلة تهميش أبناء الملك الراحل عبدالله بن العزيز من خلال إبعاد وزير الحرس الوطني عن مقدمة تسلسل الوراثة وعبرتعيين السفير السعودي السابق في الولايات المتحدة عادل الجبير وزيرا للخارجية بدلا من الأمير عبد العزيز بن عبد الله الذي كان مرشحا شبه محسوم لهذا المنصب في توقعات كثيرة ترددت خلال السنوات الماضية وقد بات اليوم مرؤوسا من مستشار سابق عمل مع والده وكان يتلقى تعليماته منه لفترة طويلة وهو أمر بالغ الدلالة في كسر واحد من أهم تقاليد الأسرة المالكة وهذه المؤشرات تعني ان توازنات جديدة تفرض داخل العائلة الحاكمة واجنحتها وفروعها.
ثانيا ظهرت بصمات الإدراة الأميركية في ترتيب الحكم السعودي من خلال موقع ولي العهد الجديد محمد بن نايف الذي وصف طويلا في مراكز تخطيط السياسات الأميركية برجل الولايات المتحدة القوي من خلال دوره في وزارة الداخلية وتنسيقه الوثيق مع الولايات المتحدة في ملفات محاربة الإرهاب وقد سربت مصادر اميركية عديدة معلومات عبر مراكز الأبحاث والصحف الأميركية عن تحبيذ واشنطن لترشيح محمد بن نايف لتولي العرش السعودي خلال السنوات الأخيرة وبعد ما حظي به من استقبال حار خلال زياراته إلى واشنطن وبعد اجتماعاته مع الرئيس باراك اوباما وأركان الإدارة .
البصمة الأميركية الثانية جاءت من خلال تسمية عادل الجبير لوزارة الخارجية فهو من الأسماء المفضلة أميركيا لمثل هذا المنصب منذ تعيينه ممثلا شخصيا للملك عبد الله بن عبد العزيز في واشنطن حيث قاد التنسيق السعودي الأميركي في الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة بالشراكة مع المملكة وهو مختبر ومجرب في تلقيه للتوجيهات والطلبات الأميركية ونقلها والتعبير عنها وتسويقها لدى مراكز القرار السعودية وهذه صفة لا بد منها في الظروف الحاضرة والمقبلة التي تستدعي حرصا اميركيا على تاهيل المملكة للتكيف مع التغييرات التي يرتبها الوضع الإقليمي المتحول وفي صدره توقيع الاتفاق حول الملف النووي الإيراني بينما يحمل وزير الخارجية السابق سعود الفيصل وزرا معنويا وسياسيا لمواقفه المتطرفة والعدائية في ملفات عديدة تجعل من الصعوبة بمكان ان يتصدر معها رحلة التكيف السياسي المطلوب اميركيا .
ثالثا خلافا لما يظنه ويتصوره كثيرون تشكل حرب اليمن وجولة التصعيد العسكري في سوريا وغيرها من محاور التدخلات السعودية في ازمات المنطقة مسارات تحظى بتغطية ودعم كبيرين من الولايات المتحدة في هذه المرحلة وبالتوازي مع حرص إدارة اوباما على السير في طريق الاتفاق النووي مع إيران وهو ما يسميه محللون اميركيون بالمسار المزدوج.
في الاستراتيجية الأميركية ثلاثة عوامل رئيسية ترجح هذا المفهوم يمكن إيجازها بما يلي :
1- تتبنى الإدارة الأميركية خيار التكيف مع الصعود الإيراني بعد ستة وثلاثين عاما من الفشل في منعه استخدمت خلالها جميع الوسائل والأدوات المتاحة بتهديد القوة الخشنة وبخطط القوة الناعمة وبحروب الواسطة وإنجاح هذه العملية السياسية التي تنطوي على تطلعات اقتصادية اميركية وغربية كبيرة يقترن بتوطيد مواقع النفوذ الأميركي وبالتالي بتوثيق العلاقة مع حلفاء الولايات المتحدة وخصوصا إسرائيل والمملكة السعودية وتركيا .
2- الحرب على اليمن شنت بقرار اميركي ولم تكن مغامرة سعودية منفردة والولايات المتحدة متورطة في مساراتها ليس فحسب عن طريق ما تبيعه من خدمات وسلاح وعتاد يدر عليها المليارات كلما امتد زمن هذه الحرب وتواصلت فصولا وهو بذاته حافز له تأثيره الكبير بل كذلك في إقامة سدود مانعة ومعرقلة امام خطر تراجع النفوذ الغربي في المنطقة نتيجة الاعتراف بقوة إيران ولذلك يشكل تصعيد العدوان على سوريا لاستنزافها محورا رئيسيا في الشراكة بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة خلال هذه المرحلة.
3- الكتلة الخليجية التي تقودها المملكة السعودية نشأت وتنامت منذ ثمانينات القرن الماضي واشتد عصبها بقيادة المملكة في إطار وظيفة محورية هي المواجهة مع إيران ويشكل زجها في حرب اليمن وفي الحرب على سوريا محاولة لتحاشي تفككها بعد رفع الحظر الأميركي والغربي عن إيران حيث لكل من دول الخليج حساباتها ومصالحها التي قد تحفزها للاقتراب من إيران وهو ميل يرجو المخططون الأميركيون كبحه والحد من آثاره من خلال الحرائق العربية التي تتورط فيها دول الخليج بقيادة سعودية بحثا عن دور عربي بعيدا عن قضية فلسطين بل وبتطلع معلن احيانا إلى التحالف مع إسرائيل وهي أمنية اميركية مصرح بها .