فرص النهوض في تكتّل المشرق
غالب قنديل
لا تحتمل حسابات مستقبل بلدان المشرق العربي في مسار التحرّر والتنمية والصراع العربي الصهيوني أنصاف الحلول، ولا مجال للمساومة على آفاق التحول، الذي سعى حلف العدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي الى اعتراضه ومنعه، ثم جهد لتأخيره وعرقلة مساره عبر تخريب وتدمير مقوّمات النمو الاقتصادي في منطقة تمتلك ثروات طائلة وقوة بشرية منتجة مؤهلة علميا وتقنيا، تضم حشدا جَلِبا من النساء والرجال في سورية والعراق. وقد ران الذهول خلال العقدين الأخيرين على الغرب، بعد نهوض حركات المقاومة، وبوادر الشراكات العابرة للحدود في هذه العقدة الاستراتيجية المهمة.
أولا: تتولى جيوب الاحتلال الأميركي على الأرض تخريب واعتراض مخاض التكتّل المشرقي بالضغوط السياسية والاستنزاف العسكري وسائر أدوات العرقلة الاقتصادية، وأبرزها العقوبات الغربية الضارية، لأن خبرة التجارب ومعطيات التوثيق الاقتصادي والجيولوجي ترجّح تحوّل بلدان المشرق إلى اتحاد اقتصادي عملاق ومنتج، قادر على تغيير المعادلات، وقهر التحديات والمخاطر، بصورة تدمج حشدا من المزايا الإبداعية والثروات الطبيعية، والمهارات المتراكمة والمتأصلة والمتوارثة شعبيا في مجالات زراعية وحرفية وصناعية وابداعية واعدة في نسق التنمية التقليدي، وكذلك في سياق التحدّي الصناعي والتكنولوجي المعاصر، مع توافر فرض شراكات ندّية مع إيران وروسيا والصين.
ثانيا: تمثّل المقاومة طليعة شعبية وسياسية لمعركة التحرّر في منطقتنا. ومهمتها المركزية لا تنحصر باقتلاع الاحتلال، بل بإنشاء جسور الشراكة والتحالف بين بلدان المنطقة على منوال شبكة الدفاع العابرة للحدود، التي تقيمها فصائل المقاومة في ما بينها في سورية والعراق ولبنان وفلسطين، والانتقال إلى اتحاد على مستوى المنطقة، قادر على تعظيم الطموحات والآمال المستقبلية، وهذه المرة يتميّز في اتّباع السياسة الواقعية بعيدا عن الشعاراتية، وبإعلاء أولوية نسج الشراكات العابرة لحدود بلدان المشرق، خلافا لمشاريع الوحدة السابقة، التي عصفت بها واسقطتها عثرات التباين العقائدي والسياسي. إن تغليب المصالح المشتركة يعزّز فرص التعاون، وحيث تنهض الإرادة والتّطلعات التحرّرية المستقبلية تتقدّم الإنجازات، وتفيض عائداتها لتطلق مزيدا من التصميم والوعي في مسار التكامل والتكتّل.
ثالثا: الثغرة الخطيرة التي ندعو للعمل على تخطّيها، هي ضعف الاهتمام بالشراكات الاقتصادية الممكنة بين سورية والعراق ولبنان، وحيث يجدر بخبراء الاقتصاد وكتّاب السياسة كشف القدرات الهائلة لمثل هذه الشراكة في ميادين التكنولوجيا والتصنيع الزراعي والصناعات الحديثة المجمّعة عبر حدود بلداننا. ويمكن بكل بساطة تحويل سورية والعراق، ومعهما لبنان، إلى مجمّع صناعي زراعي متقدّم منتج، وهذا مشروع تاريخي نهضوي للمنطقة برمّتها. وبدون تردّد نلاحظ أن بلدنا المنهار اقتصاديا، هو الحلقة الأضعف، بسبب القصور السياسي والبلادة المتأصّلة رغم عقلية الادّعاء و”الفشخرة”، التي تعوق تخطّي ثغرات ومشاكل عديدة، توشك أن تدفع بنا عبر هوة انهيار وكساح اقتصادي ومالي إلى نفق اختناق قاتل.