التحدي المصيري وتجاوز الحلقات الضعيفة
غالب قنديل
ليس أدلّ على العجز والإفلاس والعقم من تكرار أسطوانات تبادل الاتهامات على مسامع الناس في زمن كارثيّ خطير، وليس الأمر نتاج إدمان الواقع السياسي اللبناني لهذه الأساليب، بقوة العادة فحسب، بل تعبيرا عن عجز وعقم وخلل خطير بفعل التخلّف وقوة العادة، والارتهان للهيمنة الأجنبية ونطاقها المتحكّم بالخيارات والفرص الذاهبة نحو تقلّص ونضوب وشبه انعدام داخل منظومة النهب الاستعمارية واستتباعها لبلدان العالم الثالث. وما يصحّ في بلدان تعيش ظروفا عادية يصبح مضاعفا في قوّته وشدّته عندما يتّصل الأمر ببلد يعاني من انهيار شامل، ويعيش انكماشا تصاعديا بل نضوبا في موارد الثروة، ناهيك عن نوبات تعطّل الإنتاج في زمن الانهيار، الذي زادته شدّة جائحة كورونا بتفاعلاتها الاقتصادية، وعلى الرغم من وفرة المساعدات التي أنجدت لبنان وأعفت حكومته من تكاليف وتبعات الاحتواء الطارئ.
أولا: الحكمة السياسية التي تبديها المقاومة وقائدها المجاهد في التعامل مع هذه الكارثة لا تعفي القوى السياسية الوطنية من ضرورة التخلّي عن نهجها الانتظاري السلبي، وتحدّي انتقالها إلى تنظيم مبادرات هجومية شعبيا وسياسيا، وتعبئة الطاقات والجهود حول مشروع إنقاذي لاحتضان مبادرات حزب الله الخلاقة، ومضاعفة مفاعليها، وتسريع وتائر تقدّمها. ومن المستهجن والمؤذي أن يتراصف حشد القوى والأحزاب والشخصيات الحزبية والنقابية، التي تعجّ بها المناسبات الاحتفالية، وتضجّ قاعاتها على مقاعد المشاهدة والتفرّج، رغم حضور الرموز المتواصل في منابر التشريفات والخطابة، بينما يترك قائد المقاومة في التحدّي المصيري على طريقة “اذهب أنت وربك”، علما أن الكلمة والموقف يضيفان قوة، ويسرّعان وتيرة التفاعل مع أحداث وتطورات هامة كالتي يعيشها البلد، والكلمة التي تنال اقتناع الناس وعقولهم تُحتسب في المعادلات، وما من شيء لا يؤثر في اتجاه الأحداث وعوامل تطوّر الأزمة والفرص الناشئة عنها أو المصاحبة لها.
ثانيا، أسهل الخيارات وأقلّها كلفة على الأحزاب والقيادات، هو الانتظار والتفرّج إلى أن تنجلي النتائج الأخيرة لهذه الكارثة، والاكتفاء بتصيّد المكاسب الصغيرة المتاحة هنا أو هناك في انتهازية، أقل ما يمكن أن توصف به، هو النذالة والتحلّل من أيّ حسّ وطنيّ مسؤول، ومن أي فعل انتماء وطنيٍّ حقيقيّ.
الكلمة والموقف السياسيّ يؤثّران في هذه الظروف، ويسهمان في مراكمة التغييرات الصانعة لبيئة سياسية وطنية، تناسب إنتاج معادلة قرار وطني، يسرّع الحلول، ويلاقي الفرص، وحتى ما يُهيّأ للبعض أنه مخرج سهل وممكن وفرصة مناسبة، يواجه قوى عرقلة واعتراض وتخريب. ولذلك نجزم بالاستنتاج أن التقدّم في مسار الإنقاذ الحقيقي يتطلّب قوة ضاغطة ويقظة شعبية وسياسية مستنفرة لمحاصرة مراكز الكبح وقوى للتخريب المرتبطة بالخارج. وليس أدلّ على دقة هذا الاستنتاج، ما تتعرض له الخيارات الروسية خلال اليومين من تشويش وتشويه في الصحف ووسائل الإعلام وبعض المواقع السياسية، رغم وضوح المبادرة المنزّهة عن الشروط والإملاءات، وما فيها من ندّية وشراكة بلا تكاليف، بل أمانة لمعادلة الشراكة في الربح والإنجاز، مما يفسّر غيظ المواقع العميلة في النظام اللبناني المرتهن تقليديا للأجنبي، وفي المنظومة الإعلامية المثقوبة المتخلّعة، بكل أسف، وحيث تُساق إملاءات الخارج على أنها وجهات نظر واجتهادات، وهي ليست سوى حاصل استجابة لأوامر معادية ومشبوهة، واذعان مأجور سفيه.
ثالثا: إن اختصار المسافات الزمنية الضرورية لبلورة مناخ شعبي وسياسي حاضن للحلول والمبادرات الخلاقة يتطلب حملة واسعة وشاملة ما أمكن، لتعبئة الرأي العام وتحريك الضغط الشعبي بكل الوسائل، لخنق التيارات السلبية وقوى التخريب العميلة في جميع المواقع. وهذه معركة تساوي نصف الطريق إلى الخلاص الوطنيّ الناجز، ينبغي خوضها بالشجاعة والإقدام اللذين ميّزا كفاح المقاومة التحريري وملاحم الصمود الشعبي ضد العدو الصهيوني خلال نصف القرن المنقضي من تاريخ البلد حتى اليوم.
إن هذه المعركة فاصلة وحاسمة ومصيرية، ويترتّب على كسبها حفظ ومنع تخريب ما سبق تحقيقه من إنجازات عظيمة وثمينة. وعلى جميع القوى الوطنية التحرّك بكل قدراتها، لحسم هذا الفصل من تاريخ البلد بدون تردّد، وهدر الوقت دائما يضاعف الكلفة، ويفاقم الخسائر. ولذلك نقول إنها ساعة نفير وطنيّ لا تحتمل التردّد او التباطؤ. وقد أعذر من أنذر.