آل سعود و«الإخوان» و«داعش» ! ثريا عاصي
عندما تقتحم المجال العام جماعةٌ من الناس، متذرعةً بنصرة دعوة دينية زاعمةً أن هذه الأخيرة هي جوهر الديانة الحقيقية، يكون ذلك الحدث تعبيراً عن قناعة لدى هذه الجماعة بأن الفرصة سانحة والظروف مؤاتية لتحقيق طموحاتها أو مطامعها، فضلاً عن ثقتها بقوتها وبما تمتلك من حجج ووسائل إعلام تساعدها على إجتذاب الناس أفراداً وأفواجاً إلى الدخول في دعوتها. بمعنى آخر نكون حيال سيرورة ثورية جديدة، تبدأ بطمس المعتقدات وتعليق القوانين السائدة في المجتمع وبنزع الشرعية عن السلطة القائمة. كون الجماعة المذكورة متجلببة بالدين يضفي على قراراتها وعلى الأحكام التي تطلقها في سياق هذه السيرورة، صفة نهائية لا راد لها.
من المعروف أن آل سعود إلى جانب هيئة رجال الدين، تلامذة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بادروا إلى حراك في شبه الجزيرة العربية، وفي منطقة نجد تحديداً، أعلنوا أن الغاية منه هي تنقية الديانة الإسلامية مما خالطها من فساد «المشركين العثمانيين» ومن تحريف أدخله إليها أتباع المذاهب الإسلامية على إختلافها بالإضافة إلى ضرر «الفئة الضالة»!
من المعلوم ان مرجعية الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانت إلى أعمال أحمد بن حنبل مؤسس المذهب المنسوب إليه. ما يبرر تسمية النهج الذي يسلكه آل سعود وشركاؤهم رجال الدين، بالنهج الوهابي الحنبلي. ولكن الإطلاع على المبادئ التي يروجها أتباع هذا الأخير، وعلى الفتاوى أيضا، يضع المرء أمام مفارقة كبيرة. إذ يتضح أن هذا النهج يتعدى في الواقع حدود المذهب الديني المتفرع عن الديانة الإسلامية، أو بتعبير آخر هو أكثر من مجرد تأويل للنص. فقراءة هذا النص ودراسته، دون وساطة وإشراف رجل دين حنبلي، تؤديان إلى فهم خاطئ. من هذه المبادئ : فرض الصلاة جماعة، « الإيمان واجب، السؤال بدعة مكروهة»، «الحنبلية هي الدين» ، ضرورة الهجرة من الأماكن التي يتولى الحكم فيها مشرك، والعيش في المهاجر والتتلمذ فيها على يد عالم حنبلي، إقتداء بنبي المسلمين وهجرته من مكة إلى المدينة، «الولاء أو البراء» في عدم جواز الإرتباط بعلاقة ما بمشرك أو بمرتد أو بدولة أجنبية. كل من تبلغ الرسالة الوهابية الحنبلية وبقي معترضا، هو عدو الدين، ليس جزاؤه العزل والنفي وإنما الحرب. يجب تصفية المعارضين.
جملة القول أن الوهابية الحنبلية، بحسب إدعاء آل سعود وحلفائهم علماء الدين، هي الديانة الإسلامية الحقيقية. في الواقع هناك مفارقة ثانية، هي أغرب وأشد عسفاً ومكراً من الأولى، تتكشف من خلال العلاقة التي كانت تربط الحلف الثنائي، آل سعود وعلماء الحنبلية بـ«الإخوان». شكل هؤلاء جند آل سعود في إخضاع مناطق نجد لسلطتهم وفي إكراه الناس في الدين، بحسب المفهوم الوهابي الحنبلي. بكلام أكثر وضوحا وصراحة، جيـّش آل سعود وعلماء الحنبلية «الأخوان» على قاعدة المقولات التي أتينا على ذكر بعضها أعلاه، وهي تعكس ذهنية ما يسمى إستنادا إلى المفردات الوهابية الحنبلية، بالمطاوعية. والقصد منها الإجبار على الطاعة، والإلتزام بالعبادات وقبول المفاهيم التي تقول بها السلطة والسياسات التي تضعها. في السياق نفسه، كان دور « الإخوان « ملحوظا في نشر الدعوة الوهابية الحنبلية بالإضافة إلى بناء دولة آل سعود.
ولكن العلاقة التي كانت تربط آل سعود بإنكلترا، حيث أن هذه الأخيرة كانت تمدهم بالمال والسلاح، هي في جوهرها مخالفة للعقيدة التي أنشئ على أساسها جيش الأخوان. لا سيما أن آل سعود كانوا مضطرين لإتباع سياسة تلائم مصالح إنكلترا وإحترام الحدود التي تضعها لهم هذه الأخيرة لجهة العراق والكويت والأردن. هذه الحدود التي حاول الأخوان تجاوزها، ما حمل البريطانيون على الإغارة عليهم. نجم عن هذا كله تباعد ديني وميداني بين الأخوان من جهة وبين آل سعود وعلماء دينهم من جهة ثانية. ما لبث أن تفاقم وتحول إلى مصادمات عسكرية بين الطرفين كانت أهمها معركة السبيلة سنة 1929.
ما أود قوله في ختام هذا الفصل، أنه من المحتمل أن يكون آل سعود وحلفاؤهم علماء الحنبلية، قد توهموا أنهم متنبون. فتوكلوا التبشير بالوهابية الحنبلية دينا وعقدوا العزم و«الحزم» و«الأمل» على فتح بلاد الشام والعراق، بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا. التاريخ يعيد نفسه. لذا نحن حيال مهزلة وفاجعة في آن. أما العلاقة بين «الإخوان» من جهة وبين آل سعود وعلماء دينهم الوهابي الحنبلي من جهة ثانية، فإنها تشبه إلى حد بعيد العلاقة التي تربط بين آل سعود وحلفائهم وبين «داعش» و«النصرة».
(الديار)