«فرانس 2»: تسويق الردّ عبر طرح الاتهام عامر نعيم الياس
من الصحافة إلى الإعلام المرئي، وربما في مراحل لاحقة المسموع، ظهر الرئيس السوري بشار الأسد على القنوات الأميركية والبريطانية وأخيراً الفرنسية لطرح وجهة نظره في الأحداث في سورية، وردّ الاتهامات الغربية الجاهزة للدولة السورية.
لوحظ خلال المقابلات التي أجراها «رجل دمشق القوي» بحسب التوصيف الحرفيّ لوكالة الصحافة الفرنسية يوم أمس، تفاوت في توجيه الاتهامات للرئيس السوري بين قناة تلفزيونية وأخرى، ولعلّ اللقاء الأخير كان الأعنف والأقسى من حيث النبرة الهجومية على الرئيس السوري. لكن، هل يعني ذلك تحاملاً على الرئيس، أم أن العداء وحجمه يستوجبان طرح كافة الاتهامات دفعةً واحدة للحصول على النفي دفعةً واحدة أيضاً؟
لم يتردّد «الرئيس السوري بشار الأسد»، بحسب توصيف صحيفة «لوموند» الفرنسية لهوية الرجل الذي أجريت معه المقابلة، في الإجابة عن كافة الأسئلة التي طُرحت عليه، أسئلةٌ أدركت مؤسسة الرئاسة السورية، أن جدوى ترك الصحافي يطرحها كما يحلو له، يشكّل الفرصة الأكبر لتسويق الردّ وإعادة طرح وجهة نظر مغايرة للأحداث على الرأي العام الفرنسي كما الغربي، فابتداءً من «القمع الوحشي للتظاهرات السلمية» و«الوقوف وراء تأسيس داعش» مروراً باستخدام «البراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي وغاز الكلور ضدّ المدنيين السوريين» وليس انتهاءً «بالجزار» بحسب توصيف مانويل فالس رئيس وزراء هولاند، للرئيس الأسد، وملف «التنحي»، ردَّ الرئيس السوري «رابط الجأش» بحسب توصيف «لوفيغارو» الفرنسية، منهج الشيطنة الفرنسي على أعقابه، فالاتهامات التي دأبت الحكومة الفرنسية على إطلاقها ولا تزال، طُرحَت على الشخص المستهدف، الذي طرح بدوره روايته الأحداث، وتولّى الردّ على الصلف الفرنسي، هنا يصبح ترداد مقولات «التمترس عند موقفه» و«عدم التغيير في خطابه» بحسب توصيف وكالة الصحافة الفرنسية، مجرّد لازمة من لوازم الخطاب الإعلامي الغربي الممنهج الذي لا يمكن تغييره بين ليلةٍ وضحاها بعد مرور أربع سنوات على البدء بعملية شيطنة الدولة السورية ورأسها، لكن تمّ اتخاذ القرار للرد على الشيطنة «بخطابٍ منمّق» وفقاً لصحيفة «لوموند».
المقابلة الأولى في وسائل الإعلام المرئية الفرنسية جاءت على خلفية زيارة الوفد البرلماني الفرنسي إلى سورية، والجدل الذي أثير عندها حول الأمر، وما رافقه من تأكيدات لصحيفة «لوفيغارو» عن وجود موفد أمني فرنسي في عِداد الوفد البرلماني، كان له مهمة خاصة به لم تعترض عليها الرئاسة الفرنسية وفقاً لمصادر الصحافي جورج مالبرونو، هنا حاولت المقابلة التي استمرت 25 دقيقة طرح هذا الملف على الرأي العام الفرنسي وتحضيره لقبول الاتصالات عبر الحصول على تأكيد رسمي سوري على لسان الرئيس السوري بشار الأسد مباشرةً «هناك بعض الاتصالات، ولا تعاون هناك»، هي اتصالات تمّت بطلب من الفرنسيين أنفسهم، هنا تسابقت كلٌّ من «لوموند» و«لوفيغارو» لتأكيد تقارير صحافية كان قد بدأ نشرها في الصحيفتين أولها في «لوموند» بتاريخ 7 تشرين الأول 2014 عن محاولة الاستخبارات الداخلية الفرنسية استعادة التواصل مع دمشق للحصول على معلومات عن «الجهاديين» الفرنسيين في سورية. الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل تحاول «لوموند» التي قادت ولا تزال حملة شيطنة الحكومة السورية، استغلال تصريحات الرئيس الأسد لتشير إلى وجود انقسام فعليّ بين مؤسسات صنع القرار السياسي والأمني الفرنسية تجاه سورية يتعدّى حدود الجمعية الوطنية الفرنسية، إذ تقول: «المستوى الأعلى في الدولة الفرنسية قدّر بشكل معتدل المناورة السورية لكسر العزلة عبر ربط التعاون الاستخباري بالاعتراف السياسي، لكن الاستخبارات الخارجية الفرنسية تحفظت على الأمر، على عكس الاستخبارات الداخلية التي تحاول استئناف التواصل كونها حريصة على الدفاع عن الداخل الفرنسي… وفيما لم تنكر وزارة الداخلية الفرنسية في عام 2014 وجود اتصالات مع السوريين، حافظ الكاي دورسيه الخارجية على تردده في تأييد هذا النوع من الاتصالات، حتى لو يتم قطع العلاقات الدبلوماسية رسمياً بين سورية وفرنسا».
«لوفيغارو» أشارت بدورها إلى وجود تغيّر إيجابي في خطاب الرئيس السوري تجاه الدولة الفرنسية مقارنةً بين ما قاله يوم أمس عن استعداده للحوار مع أيّ دولة في العالم إذا غيّرت موقفها من دعم الإرهابيين في سورية، وبين ما قاله الأسد في مقابلة مع الصحيفة في أيلول 2013 «طالما السياسة الفرنسية معادية للشعب السوري، ستكون هذه الدولة عدو»، هنا تلحظ الصحيفة الفرنسية اليمينية أن «الخطاب السوري تطوّر قليلاً».
هو ظهور ممنهج على شاشات التلفزة الغربية كافةً وبكافة اللغات حتى السويدية منها، ودفع للاتهامات على لسان من حوّله الغرب إلى «عدو» مطلق، يمهّد للحديث عن الانقسام في الداخل الغربي من سورية ويضع الرأي العام في مواجهة وجهة نظر مغايرة تستوجب طرحها على لسان صاحبها الأقدر من بين المسؤولين السوريين على مخاطبة الغرب نخباً وشعباً، بعد مرور أربع سنوات على الحرب ضد سورية.
(البناء)