كفى لليأس اليساري: عوزي برعام
في الآونة الأخيرة كتبت مقالات كثيرة تصف بالكثير من المقدرة انهيار العلمانية والليبرالية والتسامح في إسرائيل. يبدو أن الكُتاب الذين يحزنون على الدولة التي رسموها في أنفسهم، والآن بعد أن اتضح أنها لن تكون، يجتمعون لعلاج جماعي من اليأس الشافي.
اذا كان وجود ميرتس قوي ومؤثر هو الورقة الرابحة لوجود العلمانية والليبرالية مع صبغة صهيونية، فربما يكون رافعو راية اليأس محقين. اذا نظرنا إلى الوضع من أعلى نفهم أن إسرائيل تغيرت حقا لكن اتجاه التغيير ليس ذا بعدا واحد. الحملات الانتخابية الاخيرة لم تتميز بالصراع بين اليمين واليسار بمفهومهما الاجتماعي ـ الاقتصادي، وتقريبا في كل هذه الحملات جاء حزب جديد وشوش صورة المعركة.
في 2006 ظهر كديما وفاز بـ 29 مقعدا بعد أن نقل اليه اصوات ناخبي الليكود ومس بالعمل. حزب المتقاعدين الذي برز فقط من اجل أن يختفي، فاز بـ 7 مقاعد والليكود هبط إلى 12 مقعدا فقط. في هذه الظروف وصل عدد كتلة اليمين الديني إلى 50 عضو كنيست. في 2009 حافظ كديما على قوته واستيقظ الليكود، وهبط العمل إلى حضيض الـ 13 مقعدا، وكتلة اليمين الديني وصلت إلى 64 عضو كنيست. في 2013 دخل إلى الحلبة حزب يوجد مستقبل بـ 19 مقعدا والبيت اليهودي بـ 12 مقعدا. لكن كتلة اليمين الديني هبطت إلى 61 مقعدا. جاءت انتخابات 2015 و»كلنا» دخل إلى الحلبة وحصل على 10 مقاعد، وكتلة اليمين الديني هبطت إلى 57 مقعدا فقط، أي أقل من 50 بالمئة من اعضاء الكنيست.
هذه المعطيات لا تبرر الغرق في اليأس وفي الاشفاق الذاتي.
نحن شهود على مسيرة ديمغرافية التي هي تقريبا أحادية الجانب: الحريديون والمتدينون يوسعون عائلاتهم بوتيرة أسرع من التجمعات السكانية الاخرى. هذه العملية ليست جديدة لكن القلائل يسألون لماذا عدد مقاعد اليمين وفي الاساس الاحزاب الدينية لا تزيد بنفس النسبة. يبدو أنه في المجتمع الإسرائيلي يوجد انتقال بطيء من المتدينين ـ اليمين إلى احزاب تطرح نفسها كاحزاب وسط. عمليات التوبة تحظى ببروز جماهيري، ولكن لا نعرف ما هي نسب الجاحدين التاركين لتلك الاحزاب الدينية.
ربما أن هذا المعطى هو الذي لا يُمكن الاحزاب الدينية من الازدهار كما أملوا؟.
صحيح أن البديل لكتلة اليمين ـ المتدينين ليس اليسار الكلاسيكي المعروف، لكن الحديث يدور عن بديل صحيح لدولة إسرائيل في القرن الواحد والعشرين: ادارة الظهر لليمين المؤمن، دعم دولة يهودية تمنح المساواة لكل مواطنيها، السعي نحو الحل السياسي مع الفلسطينيين ومع عدد من الدول العربية، الحفاظ على المجتمع المدني وعلى استقلالية الجهاز القضائي وسياسة اجتماعية ـ اقتصادية تعبر عن مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها وليس فقط التسليم بقوى السوق. لم أشمل الاحزاب العربية في منحنى القوة والتأثير، لأنها في هذا الوقت، بناءً على اختيارها، ليست جزءً من تشكيلة السلطة المستقبلية، رغم أن دمجها فيها مهم وأساسي.
من الواضح أن أفول اليسار الإسرائيلي مصدره عمليات جلبة الاحتلال، الانعزال السياسي والخوف الوجودي، لكنها لا تستدعي اليأس بل التموضع الصحيح لبديل كلاسيكي يغير المعايير التي تريد حكومة يمين ـ متدينين وضعها. علينا ألا نتجاهل الرأي العام لليمين الملموس في الشارع والعداء الواضح تجاه العرب و»اليسار». هذه موجودة، ولها جذور في الواقع الإسرائيلي. لكن الصورة الانتخابية تشير إلى هبوط متواصل في قوة كتلة اليمين ـ المتدينين.
هآرتس