ما لنا واليمن يا “سيد ” ؟!
غالب قنديل
يتساءل بعض الأصدقاء عن خلفيات الموقف الذي اتخذه السيد حسن نصرالله من الحرب السعودية على اليمن وهم يسألون عن الحكمة والمصلحة في خوض صراع مع قوة كالمملكة السعودية تحاشى حزب الله طويلا ان يحتك بها وهؤلاء انفسهم يتحدثون عن التعقيدات اللبنانية التي تنتج عن هذا التصادم السياسي رغم التصميم الذي اظهره السيد نصرالله على تحصين سقف الحوار الداخلي لاحتواء التداعيات.
أولا حتى لا يتوه النقاش في التباس السؤال عن الباديء ينبغي التذكير بأن المملكة السعودية هي التي بادرت إلى شن الحرب على اليمن وليس حزب الله وأمينه العام هو من بادر إلى الاشتباك السياسي معها حول اليمن ،إضافة إلى الاشتباك والاختلاف القائم والمستمر حول سوريا وفلسطين والعراق ولبنان كذلك لكنها اليمن تلك الساحة التي تفصلها عن لبنان مسافات ومسافات كما يقول البعض .
عندما اتخذ السيد نصرالله موقفه السياسي من الحرب على اليمن كان في موقع رد الفعل على فعل سياسي وعسكري سعودي ليس بسيطا أو عاديا أو مألوفا بل هو شن حرب كبرى في المنطقة ومن خلال عقد حلف مترامي الأطراف يضم حكومات ثلاث دول كبرى في العالم الإسلامي : باكستان وتركيا ومصر وقد توعدت الحملة الإعلامية لتسويق هذا الحلف السعودي الإقليمي الذي رعته الولايات المتحدة ومنذ اللحظة الأولى بنقل مسرح العمليات الحربية لجيوش “عاصفة الحزم” من اليمن إلى سوريا ولبنان أي إلى حيث حزب الله هو قوة مسؤولة بالشراكة مع الدولة الوطنية السورية عن معادلات رادعة ضد إسرئيل كما هو قوة فاعلة في مجابهة حرب تقودها المملكة السعودية وقطر وتركيا بواسطة جماعات التكفير والإرهاب هدفها النيل من الشريك السوري في محور المقاومة وتلك الحرب تهدد لبنان بتداعيتها المعروفة.
ثانيا سقف الموقف السياسي لحزب الله وأمينه العام من حرب اليمن هو الدعوة إلى وقف الحرب واستئناف الحوار اليمني من أجل حل سياسي في اليمن وهو ما سعت إلى طمسه الحملات العدائية التي استهدفت السيد حسن نصرالله على خلفية الانزعاج السعودي من رفضه الحاسم للعدوان ومن تأكيده لجوهر الحرب غير العادلة وغير المشروعة التي تستهدف شعبا مظلوما ولأن مروجي تلك الحملات يتصرفون وفقا لبعض المعادلات السعودية: من لا يصفق فهو يشتم.
كان السيد نصرالله اول من وجه الدعوة إلى وقف الحرب والحوار السياسي بين اليمنيين وبعد خطابه الأول الذي تضمن هذه الدعوة تلاحقت مواقف عديدة إقليمية ودولية فاعلة تبنت الصياغة ذاتها وبالتالي لا مجال للكلام عن تطرف او تهور او استفزاز وفقا لما أوحى به بعض المعلقين السعوديين وبعض المعلقين والمتحدثين والكتاب اللبنانيين الذين وظفوا لنصب حواجز نفسية في وجه الموقف العقلاني للسيد نصرالله والمتضمن وقف الحرب وإطلاق الحوار في اليمن وبعدما قدم السيد نصرالله ومنذ خطابه الأول مطالعة منطقية في الرد على جميع ذرائع الحرب على اليمن ولكن سائر الجدالات التي تناولت خطابه لم تتضمن حجة منطقية واحدة.
ثالثا في خطابه الأول فند السيد نصرالله ذريعة شن الحرب استجابة لطلب السلطة الشرعية ورد على ذريعة الأمن القومي العربي الذي استحدث كمفهوم أصلا بعد نكبة فلسطين كما تناول موضوع تهديد امن المملكة وكشف عن زيارة وفد من انصار الله إلى الرياض وفي خطابه الثاني ناقش السيد في فكرة تهديد الحرمين التي طرحت في التداول لتبرير الحرب .
تحدث السيد في خطابه الثاني عن دور المعاهد الوهابية في تكوين قوى التكفير الإرهابية وتصديرها وهو واقع معروف منذ اكثر من ثلاثين عاما وملف متداول في العديد من الكتب الأميركية التي واكبت حرب أفغانستان وموثق في مذكرات العديد من المسؤولين الأميركيين السابقين الذين عملوا في إدارات الرؤساء رونالد ريغان وجورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج دبليو حيث الفصول الدامية لشراكة أطلقها مستشار الأمن القومي السابق زبيغنيو بريجنسكي واحد أبرز امراء المملكة بندر بن سلطان وهذا الأمر الممنوع الكلام عنه في الإعلام العربي بالترغيب وبالترهيب وضع في التداول على نطاق واسع بعد 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة واوروبا وليس السيد نصرالله هو من وضعه بل كتاب وساسة اميركيون يخوضون حملات متواصلة محورها الدعوة إلى “تخليص” الولايات المتحدة من “تبعيتها” النفطية للمملكة السعودية والكف عن دفع ثمن لعنة الإرهاب الوهابي التكفيري الذي يرتد على رعاته بعد استعماله في حروبهم .
رابعا قال كثيرون عن كلام السيد نصرالله انه انفعالي والحقيقة الإنسانية التي يجب التعامل معها هي ان فظاعة الجرائم المرتكبة في اليمن تستدعي حرارة طبيعية وعفوية في مشاعر وتعبيرات قائد المقاومة التي نذرت نفسها وقدمت الشهداء والتضحيات دفاعا عن المظلومين والمضطهدين فلا يتصورن احد ان يستعرض السيد نصرالله جردة الأطفال والنساء المقتولين في اليمن برقم بارد بلا نبض إنساني يفرضه هول الجريمة ورغم ذلك لم يتزحزح السيد نصرالله عن موقفه العقلاني المتمثل بوقف الحرب العدوانية واستئناف الحوار اليمني فأين الانفعال؟! وأين الافتعال ؟.
إذا اخذنا بالاعتبار معايير السيد نصرالله الإنسانية والدينية والقومية التي عرضها نفهم موقفه المبدئي ويلزمنا الإنصاف بأن نسجل للسيد أنه ترك لجميع الأصدقاء حرية تحديد مواقفهم وقال إنه لا يريد ان يلزم احدا بما يقول او يتخذ من المواقف حول حرب اليمن هذا مع العلم ان حرب السعودية في اليمن قدمت على انها تمرين عام لتغيير جميع التوازنات في المنطقة ومنطلقا لتحريك حرب قادمة إلى لبنان وسوريا هدفها المركزي ضرب محور المقاومة فمن هو المعتدي والمبادر إلى التحرش وهل يعقل الا يتخذ حزب الله وأمينه العام الموقف الدفاعي المناسب؟!