بقلم ناصر قنديل

سورية ولبنان ليسا ضمن الأولويّات الأميركيّة؟: ناصر قنديل

 

ينقلب الذين كانوا يروّجون دائماً لكون لبنان وسورية تحت مجهر المتابعة الدوليّة، والأميركية خصوصاً، الى حد تصوير حال البلدين ترد في برقية موجزة للرئيس الأميركي كل صباح مع الفطور، للتحدث عن هامشية الاهتمام الأميركي بسورية ولبنان، والتبدّل ليس نتاجاً لوطنية هبطت عليهم فجأة، فما عاد يهمهم الاهتمام الغربيّ عموماً والأميركي خصوصاً، بل لسببين ظاهرين، الأول أن مصدر هذا الاهتمام عائد لما يكرهونه ويرفضونه في البلدين، وهو حال المقاومة والصمود التي يريدون تحميلها مسؤولية تهميش كل من البلدين، والثاني أن وجهة هذا الاهتمام ليست في الاتجاه الذي يرغبونه، وهو التحضير لمزيد من الحروب ومزيد من العقوبات، كانوا دائماً من المحرّضين عليها. وهكذا فجأة بتنا نقرأ لأقلام يسميها البعض مرموقة، أصحابها نجوم صحف عربية مموّلة خليجياً، ونجوم إعلام العلاقات العامة الذي يكثر من الضجيج ويفتقد السعي للحقيقة.

 

بالتوازي ينقلب هؤلاء لتبييض وجوههم عند المموّل المنتمي للعالم للحر ومنظومة حقوق الإنسان والديمقراطية من حكومات الحليج، للتحدّث عن أولوية حاكمة للسياسات الأميركية الجديدة، تتمثل بالاستثمار على الإنجاز المعجزة لعمليات التطبيع التي خلقت حلفاً جديداً في المنطقة يشكل ركيزة السياسات الأميركية سيتم استرضاؤه، والسعي لوضع أولوياته كأولويات أميركية جديدة، ويتغافلون حيث يكتبون ويعلقون كل ما ينشر ويُذاع عن أن حدود الالتزام الأميركي بثنائي التطبيع الخليجي الإسرائيلي، هو الحماية، أما صناعة السياسة فلن تكون لدعاة وأدعياء الالتزام، لا لشيء إلا لأنهم وكلاء تم الاعتماد عليهم قبل التورط الأميركي في حروب المنطقة وفشلوا فشلاً ذريعاً في مهمتهم المتمثلة بتجنيب أميركا التورط في الحروب، وبعد التورط الأميركي تم اعتماد وصفتهم بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران والذهاب الى لعبة التصعيد، والضغوط، وجاءت النتيجة كارثية، حيث يقول المسؤولون الأميركيون الجدد، إن تنامي مقدرات محور المقاومة وإيران نمت بصورة مرعبة في عهد هذا الرهان، من امتلاك المقاومة للصواريخ الدقيقة الى تطور برنامج إيران النووي والصاروخي الى تبلور حضور المقاومة في العراق وتدحرج الانتصارات السورية، وسيطرة أنصار الله على أمن الخليج، وفي قلب التغافل والتجاهل يتعامى هؤلاء ومؤسساتهم الإعلامية عن مجرد ذكر ما يصرّح به المسؤولون الأميركيون حول وقف صفقات السلاح، وإعادة النظر بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وبتصنيف أنصار الله على لوائح الإرهاب، وفتح ملف جريمة قتل الصحافي جمال الخاشقجي.

من الزاوية الواقعية لم يكن لبنان ولم تكن سورية يوماً في مكانة هامشية في السياسات الأميركية، لسبب بسيط هو أن «إسرائيل» ليست في مكانة هامشية في هذه السياسة، ومنذ فشلت إسرائيل في توفير شروط الحماية الذاتية، وصارت واشنطن مسؤولة عن حمايتها، ومنذ صار لبنان وسورية مصدر تهديد جدّي لأمن كيان الاحتلال، دخل البلدان قائمة الأولويات الأميركية، والذي يتبدّل مع السياسات هو وجهة الاهتمام الأميركي، فمع فشل الحروب والضغوط واعتماد الوصفات الغبية للثلاثي، بولتون وبنيامين نتنياهو وبن سلمان، بقي الاهتمام وتغيرت الوجهة نحو كيفية تفادي الأسوأ، وطريق تفادي الأسوأ الذي يحكم السياسة الأميركية الجديدة، انطلاقاً من مقاربة العودة للاتفاق النووي مع إيران، يجد أمامه مع مساعي العودة الآمنة للاتفاق تحت شعار تفادي امتلاك إيران مقدرات إنتاج سلاح نووي، أنه معنيّ بالسير بالتوازي بما يضمن تفادي الأسوأ في ساحات الاشتباك المحورية في المنطقة، والتي نصنع فيها بيئات التصعيد والتهدئة، وخصوصاً لبنان وسورية والعراق واليمن، وليس من باب الفراغ ولا المصادفات، أن تتحرّك واشنطن على الخط اليمنيّ، وأن تتحرّك باريس بإيعاز أميركيّ لاستكشاف وتعديل السياسات بما يتناسب مع مخاطبة المعادلات اللبنانية المحيطة بالمقاومة، وأن يتسابق صناع الرأي والنخب الدبلوماسيّة على تقديم التوصيات والمقترحات لمغادرة الفشل الذريع الذي كانوا رواده وصناعه في سورية، كما هو حال كتابات السفيرين السابقين روبرت فورد وجيفري فيلتمان.

– تندّر أحد السفراء الذين رافقوا حقبة فيلتمان اللبنانية، والتي رسمت عبرها سياسات واشنطن نحو لبنان وسورية، وتساءل ماذا لو عين فيلتمان مبعوثاً أميركياً خاصاً في سورية وفقا لتوصياته بالاعتراف بانتصارات سورية ورئيسها، فهل سيجرؤ أصدقاؤه اللبنانيون على مواصلة ما يقولونه عن سورية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى