التدخل العسكري التركي – السعودي في سوريا: معادلات القوة القائمة تفوق اندفاعة “عاصفة الحزم” وسيم ابراهيم
هل “طفح كيل” السعودية من النفوذ الإيراني، فقررت الإعداد، مع تركيا، لتدخل عسكري مباشر يحسم وجهة الصراع في سوريا؟
طرح ناري كهذا، حمله تقرير لصحيفة أميركية، أثار حماسة بعض المعلقين، في ظل الجمود المستمر على جبهة الحرب السورية، وبعد ظهور السعودية في موقع المبادر مع قيادتها لعمليات “عاصفة الحزم”.
لكن بعيداً عن البناء على نظرية “شرب حليب السباع”، تؤكد مصادر أوروبية وخبراء لـ “السفير” أن خياراً كهذا غير ممكن، لأسباب عدّة، أبرزها معادلات القوة القائمة، التي أنتجت الجمود السوري، والتي تفوق حجم الدولتين.
ما الذي يمكن أن يقوله سفير دولة غربية مؤثرة لخارجية بلاده حول هذا الطرح؟
في أفضل الأحوال سيقول “ربما” متجنباً الحكم القطعي، لكنه سيجعل وجهة الاستبعاد واضحة.
هذا ما كان ليفعله جون جينكينز، الذي غادر للتو عمله سفيراً لبريطانيا لدى الرياض، بعدما قضى هناك ثلاثة أعوام، اختتمها في أواخر كانون الثاني الماضي.
ويقول جينكينز، خلال حديث الى “السفير”، إنه برغم كون الرياض تعتبر إيران “التهديد المبدئي الرئيسي” لها، ومع تفهمه “رغبة السعودية في بناء جبهة سنية فعالة”، لكن لهذه الاندفاعة حدوداً لا يمكن القفز فوقها.
ويوضح “في سوريا، ثمة حاجة إلى جهد دولي، ولا يمكن فعل ذلك عبر دولة واحدة، أو اثنتين أو ثلاث، كما اننا نحتاج إلى اتفاق حول ما الذي ستكون عليه النتيجة النهائية”.
وبرأيه، المسألة محكومة هنا بتسوية دولية، لا يمكن للاعبين إقليميين القفز لإنجازها.
وكانت صحيفة “هافنغتون بوست” الأميركية نشرت تقريرا قالت فيه إن مصادر أبلغتها بأن الرياض وأنقرة تناقشان خطة مشتركة لتدخل عسكري ضد النظام السوري، على أساس قيام السعودية بحملة جوية في حين تقوم تركيا بالتدخل البري.
وبحسب “هافنغتون بوست” فإن الدوحة منخرطة في الإعداد والترويج لخطة كهذه، وأنها أطلعت البيت الأبيض على فحواها، موحية بنوع من القبول الضمني أو التفهّم الأميركي.
لكن مصادر أوروبية، على علاقة وطيدة بقيادات خليجية التقتها مؤخراً، تقول لـ “السفير” إن تحركاً من هذا النوع “مستبعد جدا”.
وتعتبر المصادر أنّ انخراط الرياض وأنقرة عبر جيشيهما سيكون “لعبة خطيرة جداً”، قبل أن تضيف: “هناك واقع يعرفونه تماماً، نحن لسنا في اليمن، حيث لا يوجد حليف دولي يقف علناً خلف الحوثيين. في سوريا هناك روسيا التي لا تدافع عن النظام فحسب، بل أيضاً عن صوابية دعمها له”.
وظهر الموقف الروسي متحفظاً تجاه “عاصفة الحزم”، لكنه ركز على رفض موسكو للتحرك خارج مظلة مجلس الأمن الدولي، حيث سبق أن استخدمت حق النقض (الفيتو) مرات عدّة لمنع صدور قرارات ضد دمشق.
تحكّم هذه المعادلة الدولية بالصراع السوري قضية يشدد عليها أيضا جينكينز، وهو يعمل الآن مديرا لـ “المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية”. يقول إن “الوضع في سوريا صار معقداً جداً، وأكثر تعقيداً من أي وضع مماثل في المنطقة، حتى مقارنة مع اليمن”، قبل أن يذكر بأن الحل السوري غير ممكن من دون توافق في مجلس الأمن “المجمد الآن”.
وفي السياق ذاته، قال مصدر غربي واسع الاطلاع لـ “السفير”، في مطلع نيسان الحالي، إن “التحالف في اليمن، والتقارب بين السعودية وتركيا، ستكون لهما آثار على القتال في سوريا”، لافتاً إلى أن جعل الرياض الأولوية لمواجهة النفوذ الإيراني “سيجعل محاربة الإخوان المسلمين تتراجع نتيجة لهذا التقارب” مع أنقرة. لكن المصدر اعتبر حينها أن هناك سقفاً لحدود العمل التركي والسعودي المشترك، وهو دفع “المجموعات التي يدعمانها على العمل معاً لتحقيق انجازات عسكرية”.
مناصبة العداء والخصومة لدمشق لم تجعل أنقرة والرياض وواشنطن تصل إلى توافق حين يتعلق الأمر بالتدخل العسكري المباشر. سبق أن عبرت الرياض مراراً عن امتعاضها من تراجع الولايات المتحدة عن توجيه ضربات عسكرية لدمشق في صيف العام 2013، على خلفية اتهامها باستخدام السلاح الكيميائي. كما أن الولايات المتحدة عبرت مراراً عن مواقف متحفظة، علناً على الأقل، بالنسبة الى اقتراح أنقرة إقامة منطقة حظر جوي فوق الشمال السوري.
ويشير سفير بريطانيا السابق لدى الرياض إلى أن الوضع القائم هو منتج مباشر لتواصل وتعمق الخلاف الدولي. ويقول: “أعتقد أن (الرئيس بشار) الأسد كان ذكياً جداً في تحويل الأمر إلى خيار بينه وبين تنظيم (داعش)، لأن ذلك جعل من الصعب جداً الحصول على سياسة دولية متوافق عليها”، قبل أن يضيف: “هناك نقاش لهذا السؤال داخل الحكومات الآن، وهناك خلافات واسعة في وجهات النظر حول ما الذي يمكن فعله بهذا الشأن”.
لكن مع ذلك، لا يرى جينكينز أن المعركة رابحة تماماً بالنسبة إلى دمشق “لأنه في النهاية، حتى لو تم عقد الاتفاق على وجود الأسد، فلا أعتقد أن بإمكانه السيطرة عمليا على كامل الدولة السورية”، موضحاً أن “ما نراه هوّ تحول الصراع إلى صراع ميليشيات، وأعتقد أن القصة أوسع وأكبر بكثير من كون الأسد هو الجواب أو الإسلام”.
(السفير)