مقالات مختارة

هل تشتبك السعودية وإيران في لبنان؟ نبيل هيثم

 

ساحات الاشتباك السعودي ـ الايراني مفتوحة على مصراعيها وعلى شتى الاحتمالات، وممتدة من سوريا الى العراق والبحرين، الى الملف النووي.. وصولا الى اليمن. ولبنان واحدة من تلك الساحات التي ارتفعت فيها المتاريس على مدى السنوات الاخيرة وارتدت العلاقة بينهما، وعبر «حزب الله» و «تيار المستقبل»، وجوها متعددة، حكمها التناقض والافتراق الحاد.

لبنان أيضاً هو ساحة اشتباك بين ايران والسعودية، لكن الفارق بينه وبين سائر ساحات الاشتباك، هو انها كلها مشتعلة ما عداه، والحرب التدميرية التي تشنها السعودية على اليمن ترشحها الى مزيد من التوتر والتصعيد، خاصة وان ايران والسعودية دخلتا في ما يشبه «حالة حرب» غير معلنة بينهما جرى التعبير عنها في التقاصف السياسي والاعلامي. لكن وسط هذه الاجواء ينبري السؤال التالي: هل سيبقى لبنان بمنأى عن الحريق.. ام ان النار ستتمدد اليه؟

«البديهي ان تكون لهذا التصعيد السعودي ـ الايراني مفاعيله وترجمته الميدانية في كل الساحات المشتركة. وبالتأكيد ستكون لهذا التصعيد اثمانه واكلافه في اكثر من مكان، خاصة وان كل الدلائل تؤشر الى ذهاب العلاقة بينهما الى مزيد من الانحدار، وهذا معناه مزيداً من التطورات الدراماتيكية على ارض اليمن، ومزيدا من الحرائق والدم في سوريا والعراق».

بهذا الجواب، ينطلق سفير دولة شرقية كبرى في قراءته للاشتباك السعودي الايراني، «والذي دخلاه بلا قفازات، ما يدل على حجم ما يبيّته أحدهما للآخر، من نوايا ثأرية ربطا بالمسار الطويل والمعقد بينهما منذ نشوء الثورة الاسلامية في ايران، الى ما تلاها في الحرب العراقية الايرانية، وصولا الى الازمة السورية والعراق وكذلك لبنان، وانتهاء باليمن الذي شعر فيها السعودي ان الايراني تجاوز المحرمات وبدأ اللعب في غرفة النوم السعــودية المتمثلة باليمن. لهذا، فالمواجهة مفتوحة: ايران التي تشعر ان دور السعودية تراجع في سوريا والعراق، تتوقع إلحاق الهزيمة بها في اليمن. والســعودية تريد هزيمة ايران بقطع دابر نفوذها في اليمن، وبالتالي المجال مفتوح على استخدام كل الاسلحة».

هذه العلاقة الايرانية ـ السعودية المتوترة والقابلة للانفجار، لا يستطيع الديبلوماسي ان يؤكد انها قد تلفح لبنان بالضرورة، ويقول: «لبنان ساحة اشتباك حقيقية، ولكن مع وقف التنفيذ.. حتى الآن».

في رأيه ان لبنان ثابت في مكانه منذ سنوات «على حافة الهاوية»، مشحونا بكل صواعق التفجير والاشتعال والاسباب السياسية والمذهبية الدافعة الى سقوطه عميقا في الهاوية. لكنه، وبرغم انه متأثر الى المدى البعيد بكل الساحات المشتعلة، فهو مضبوط على إرادة دولية مانعة للانفجار، ترعاها الولايات المتحدة الاميركية وتحميها، ومعها الغرب عموما، وتبقيه مستقرا وتجنبه السقوط. وتلك الارادة ما تزال سارية المفعول وتقيم الاستقرار اللبناني، وتفرض بالتالي، حوارا بالاكراه، بين «حزب الله» و «تيار المستقبل».

يتقاطع ذلك، مع ما ينقل عن مرجع معني بالحوار، حيث يقول «ان الطرفين أقرا بالحوار، ويدركان اهميته وضرورته للبلد حتى ولو كان بلا نتائج كبرى، بالاضافة الى انه يبقى حاجة وضرورة ملحة لكليهما. جماعة «المستقبل» قالوا لي: لا يمكن ان نقطع الحوار وان نخرج منه، ولا تقيموا وزنا او قيمة ولا تعبأوا بالاصوات التي ترتفع في محيط المستقبل وتنق على الحوار، فهؤلاء غائبون عن الوعي لا دخل لهم بكل ما يجري، ولو كنا لا نعرف اهمية الحوار مع «حزب الله» لما بقينا مصرين على التمسك به والجلوس معهم وجها لوجه على الطاولة. جماعة «حزب الله» قالوا لي ايضا: الحوار مطلبنا من البداية، وسنصر عليه دائما، ولو خرجوا منه سنبقى في الحوار متمسكين به ولن نخرج منه».

واضح ان الطرفين متمسكان بالحوار حتى ولو كان شرا لا بد منه، ويرد معنيون بالحوار ذلك الى ان «حزب الله» لا يريد توترات اضافية قد تتولد عن غياب الحوار، واما «المستقبل» فبإصراره على الحوار، يريد ان يبقى في صدارة ساحته، وقاطعا الطريق على منطق التطرف الذي قد يسود فيها في غياب هذا الحوار.

على ان اشارة الديبلوماسي المذكور الى ان لبنان ليس ساحة اشتباك مع وقف التنفيذ «حتى الآن»، تستبطن عدم اطمئنان على الوضع اللبناني، واشارة مباشرة الى هشاشته، وقابليته على الانفلات في اي لحظة. كما تستبطن عدم ثقة بالمسكنات الخارجية، وبقدرتها على جعل هذا الاستقرار من الصلابة التي تبقيه صامدا أمام المؤثرات الخارجية المتأتية من الساحات المشتعلة.

يخلص الديبلوماسي الشرقي في قراءته الى القول: «قيل لي ان اهم محصنات الاستقرار الداخلي تكمن في ان فريقا لبنانيا يملك القوة وقادر على قلب الطاولة لكنه لا يرغب بذلك، في مقابل فريق لا يملك القوة لكنه راغب بقلب الطاولة ولا يستطيع ذلك. ربما هذا سبب موضوعي، لكن ينتابني الحذر الشديد والخشية على هذا الاستقرار، من ان تورّم الاشعاعات اليمنية الغلو المغامراتي في عقل البعض، فيتجاوز هذا البعض الثابتة اللبنانية بأن لا امكانية لطرف لبناني لأن يغلب الطرف الآخر، ويذهب إما في اتجاه الاشتباك المباشر والمفتوح على عواقب وخيمة، او ينحدر نحو حرب امنية تكون الوصفة المناسبة لتشريع الباب اللبناني على منزلقات شديدة الخطورة».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى