أردوغان يبتز روسيا وإيران
غالب قنديل
يتساءل كثيرون عن مفارقة توسع العلاقات التجارية الإيرانية والروسية مع تركيا مقابل تمادي الفريق التركي الحاكم في الانخراط المباشر بقيادة العدوان على سوريا طيلة السنوات الماضية وحيث تواصل تركيا حماية خطوط تهريب السلاح والمال والمسلحين إلى سوريا بينما تمتد إلى تركيا وعبرها شرايين تنظيم داعش الإرهابي وجبهة النصرة الممولة من قطر شريكة تركيا في رعاية تنظيمات الأخوان المسلمين وأذرعتها الإرهابية في سوريا ومصر والعراق وليبيا واليمن وغيرها .
اولا تجزم جميع المعطيات بمصيرية المعركة السورية وتأثيرها في التوازنات العالمية والإقليمية وبأهمية هذه المعركة في حسابات الصمود الروسي والإيراني على جبهات الصراع العالمي ضد الهيمنة الأحادية الأميركية وقد شكل صمود سوريا بذاته حافزا نوعيا لنهوض مثلث القوة الجديد في الشرق والعالم الذي يضم روسيا وإيران والصين ومعها مجموعة البريكس ومما لاجدال فيه كذلك ان روسيا وإيران تسعيان لمحاصرة النهج التركي العدواني في سوريا من خلال سياسة الاحتواء التي تقوم على تظهير الاختلاف والرفض الكامل للسلوكيات التركية العدائية دون بلوغ القطيعة الاقتصادية او السياسية التي تحول دونها ظروف الاضطرار الناتجة عن الحصار الأميركي والغربي وبالتالي ما تقوم به القيادتان الروسية والإيرانية يتمحور على محاولة دفع الجانب التركي إلى التراجع والانكفاء المنظم بإغراء المزيد من المكاسب بعدما تدحرجت رهاناته الفاشلة بفضل صمود سوريا جيشا وشعبا ودولة بقيادة الرئيس بشار الأسد لكن حتى الساعة لم تفلح الجهود الروسية والإيرانية في رد أردوغان عن عدوانيته.
ثانيا تستثمر القيادة الأخوانية التركية بزعامة رجب طيب أردوغان المزايا الاستراتيجية العديدة لموقع تركيا الدولة العضو في الحلف الأطلسي والحليفة الرئيسية للولايات المتحدة وهي تنسج علاقات اقتصادية وتجارية مع كل من روسيا وإيران على ضفاف جبهات الصراع بين محور الهيمنة الأميركية الذي تنتمي إليه تركيا وبين المحور الذي يضم روسيا وإيران والصين وسوريا وقوى المقاومة والتحرر في المنطقة وهذا الاستثمار التركي يقوم على فتح منافذ اقتصادية ومالية مقننة لصالح إيران وروسيا في مناخ الحصار والعقوبات المفروضة بقرار أميركي غربي على كل من الدولتين.
على الرغم من المصالح المتبادلة بين تركيا والدولتين الكبيرتين ورغم ما يجنيه أردوغان والاقتصاد التركي بنتيجة هذه العلاقات إلا أن أهمية المنفذ التركي الحيوي تحد من قدرة القيادتين الروسية والإيرانية على ممارسة ضغوط سياسية حاسمة والتلويح بالقطيعة مع تركيا في حال تمادت في أنشطتها العدوانية ضد الحليف السوري الذي تلقي كل من طهران وموسكو بثقلها إلى جانبه وما يظهر في الواقع السياسي هو ان أردوغان يتصرف بصفته تاجر الحروب والأزمات الذي يبتز “شركاءه” في الاتجاهين ليحصد مزيدا من الأموال والمنافع بعدما انهارت رهاناته العثمانية المتورمة إثر الفشل في إسقاط الدولة السورية وبعد سقوط حكم الأخوان في مصر وبينما تحد التطورات من أحلامه التوسعية وأطماعه في أرض العراق يبدي تصميما على مواصلة استهدافه لسوريا.
ثالثا بالتاكيد لدى إيران وروسيا من الوقائع ما يكفي لعدم تصديق مزاعم أردوغان عن امتلاكه قدرة مستقلة على التحرك والتصرف من خارج الهوامش التي تسمح بها الولايات المتحدة الأميركية وبالتالي فالمنافذ التركية قامت واستمرت تحت غض النظر الأميركي وأتاحت لرجب طيب أردوغان التظاهر بالرقص بين المحورين الكبيرين بينما هو يتقاضى ثمنا كبيرا سياسيا واقتصاديا لما يفتحه من منافذ منسقة تخرق قيود الحصار الأميركي والغربي ضد روسيا وإيران ولطالما كان النهج الأميركي يرتكز على تكليف بعض الحلفاء والتابعين بفتح الأبواب الخلفية وهو ما ينطبق في الحالتين الروسية والإيرانية على أدوار كل من تركيا وقبرص وإمارة دبي ولسنوات طويلة خلت أسندت واشنطن بعض تلك المهام إلى حكومات فرنسا وبريطانيا وألمانيا وقد أمرت بوقف التسهيلات في توقيت يناسب خططها وسياساتها.
حرصا على دوام لعبته المزدوجة هرول أردوغان إلى طهران بعد الإعلان عن تفاهم لوزان لأنه استشعر دنو احتمال تحرر إيران من القيود والعقوبات حال توقيع الاتفاق النهائي بينها وبين مجموعة الخمس زائد واحد في نهاية حزيران المقبل وكان واضحا إلحاحه خلال الزيارة على توقيع اتفاقات اقتصادية جديدة في أعقاب تصاعد لهجة الرد الإيراني على استفزازاته ضد إيران ودورها في المنطقة بعد العدوان الأميركي السعودي على اليمن .
رابعا يمارس أردوغان الابتزاز السياسي والاقتصادي والقيادتان الروسية والإيرانية مدعوتان لقطع الطريق على لعبته المزدوجة التي يفضحها تورطه الكبير بقيادة النشاطات الإرهابية التكفيرية في سوريا والعراق ومصر وليبيا واليمن وهي نشاطات تنذر بالارتداد المباشر ضد روسيا والصين وإيران وفقا لعقائد إعادة التوجيه الأميركية في إطار استراتيجية منع وعرقلة صعود القوى المنافسة وخوض حروب بالوكالة لاستنزافها بواسطة عصابات التكفير الإرهابية.
ما يقوم به أردوغان في سوريا بالذات يحتاج إلى مواجهة حازمة لا ينبغي ان يبقى ثقلها على الدولة الوطنية السورية بمفردها بل إن هذا العبء يقتضي مشاركة الحليفين الرئيسيين للدولة الوطنية السورية في التصدي للتمادي العدواني التركي الذي لا ينبغي ان تحد من حجم خطورته كلمات الرئيس التركي المعسولة عن التصدي للإرهاب بينما هو المسؤول الاول عن قيادة داعش وشبكاتها التجارية لبيع النفط المسروق وبالتالي عن تمويلها إضافة لتزويدها بالأسلحة وحماية مقراتها التدريبية وطالما ان الأجهزة الأمنية التركية تقدم على مرأى من العالم كل الدعم والتسهيلات لحشد الإرهابيين إلى سوريا ولمدهم بالمال والسلاح بالشراكة مع قطر والسعودية وفرنسا وسائر دول الناتو بقيادة الولايات المتحدة .