سياسات تركيّة متجدّدة للتعامل مع بايدن: د. وفيق إبراهيم
يعرف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان بلاده مقبلة على مرحلة صعبة مع الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن وحزبه الديموقراطي.
فهناك إجماع لدى تيارات هذا الحزب على رفض السياسة التوسعيّة التركية في البحر الأبيض المتوسط وليبيا والعراق واليمن، مع إدانة كاملة حتى من بايدن شخصياً لمحاولات تركيا ضرب الأكراد في سورية ومنافسة قاعدة العُدَيْد الأميركية في قطر بنصب قواعد تركية في البلد نفسه.
هذا ما يدفع أردوغان للاستفادة من هذين الشهرين اللذين يجسّدان هزيمة رئيس هو ترامب الحالي الذي خسر الانتخابات الرئاسية، ووصول آخر رابح الى البيت الأبيض هو جو بايدن.
هذه هي المرحلة التي يعتقد أردوغان أنها مؤاتية لاستحداث خط دفاع عن السياسات التركية التوسعية من دون أي صدام مع السياسات المتوقعة لبايدن.
هنا يعتبر الأتراك انه يجب إحداث مستجدات سياسية تفرض على بايدن الاستمرار باعتبار تركيا حاجة جيوستراتيجية للجيوبوليتيك الأميركي. وهذا الوضع يمنح السياسة التركية بعض الحريات في التوغل مع تجاوز المحظورات الأميركيّة أحياناً.
ما هي إبداعات أردوغان الجديدة؟
بعد أسبوع تقريباً على إعادة ارساله لحفارة بحرية للتنقيب عن النفط في المدى الإقليمي البحري لقبرص عاد وسحبها متذرعاً بحاجتها لصيانة تقنية، وتبين أنه يريد تجاوز عقوبات يحضرها الاتحاد الأوروبي ضد تركيا لسياساتها التوسعية البحرية بشكل تعادي فيها اليونان وقبرص وفرنسا الطامحة بدورها لأدوار في الاستثمار في النفط والغاز.
هذا الصراع المتوسطيّ يدور على ثروات تزيد عن احتياطات قد تزيد عن 30 تريليون متر مكعب وسط إصرار أميركي كامن يريد استعماله لضرب الغاز الروسي في اوروبا.
هذا التراجع التركي يرضي الأميركيين مستوعباً أيضاً غضب الاتحاد الأوروبي.
هناك وسائل تركية اكثر تجدداً وهي فتح خطوط حوار مع السعودية ترجئ الخلاف بين البلدين الى مراحل لاحقة أقل خطراً عليهما من سياسات أميركية لبايدن قد تستهدف تغييراً في القيادات السعودية والتركية فقط وليس في المضمون.
ما ينتج بسرعة تقارباً بين أردوغان ومحمد بن سلمان لأنهما مكروهان شخصياً في اوساط الحزب الديموقراطي، فالأميركيون يعرفون مدى ولاء كل من السعودية وتركيا للنفوذ الأميركي في العالم.
لذلك فاللقاءات السرية بين ممثلين عن البلدين تعمل بجهد على استيعاب نقاط الخلاف، أما الصعب منها فيجري إبعاده عن النقاش لمراحل أخرى، وهذا يتطلب تجميد الصراعات الفقهية والسياسية بين الأخوان المسلمين والوهابيين.
يبدو أن هذه الحلول لا تكفي لإحباط قلق أردوغان منتقياً هذه المرة هدفاً ثالثاً هو التقارب مع «إسرائيل» بعد عقد تقريباً من علاقات دبلوماسية هامشيّة كانت تبدو وكأنها مفروضة بالإكراه على تركيا مقابل علاقات اقتصادية عميقة لا تعكس ابداً الجمود في العلاقات الديبلوماسية وظلت مزدهرة حتى هذه المرحلة.
لكن سياسات أردوغان تعتبر حالياً ان حلفاً سعودياً – اسرائيلياً – تركياً بإمكانه التأثير على سياسات بايدن في المنطقة، وتفرض عليه على الأقل عدم المساس بالثلاثي اردوغان، ابن سلمان، ونتنياهو.
إن السرعة التركية في هذه الخطوات هي أكثر مؤشر على انها محاولات اردوغانية لبناء اسوار دعم من امكانية استهدافه أميركياً. كما انها تعطي القيادة التركية فترة استراحة من التنافس على قيادة الإقليم والعالم الإسلامي. فلا تركيا حاضرة حالياً لذلك وهي المتراجعة اقتصادياً ولا السعودية التي يريد ابن سلمان حماية رحلته نحو العرش السعودي.
لناحية المستجدات الطارئة، فيبدو أن أردوغان أبدى كامل استعداده لإلغاء كل التباينات الهامشية مع النفوذ الأميركي في ليبيا والعراق. وتلك المتعلقة بالاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط، لكنه يصرّ على تسوية في ثروات الغاز تشارك فيها بلاده التي تمتلك أطول سواحل بين الدول المطلة على هذا البحر.
لا بأس هنا من الإشارة الى أن الاتحاد الأوروبي أبلغ مؤخراً أردوغان أنه مستعدّ لمناقشة دخول تركيا الى الاتحاد الأوروبي إذا سحبت جيشها المرابط في شمالي قبرص منذ 1974، وهذا الطلب يعني على الفور إلغاء جمهورية قبرص الخاصة بالأتراك القبارصة.
ولا يبدو أن تركيا على استعداد لتنفيذ هذا الطلب الأوروبي إلا بعد نيل مكتسبات اكبر من ثروات البحر المتوسط وليبيا.
إن كل هذه التدابير الوقائية التركية لا تكفي أردوغان الذي يعرف مدى تأييد الرئيس الأميركي الجديد بايدن للأكراد.
وهذا ورد في أكثر من تصريح له بدءاً من مرحلة الرئيس الأميركي السابق اوباما في 2010.
كما أن كامل تيارات الحزب الديموقراطي الأميركي تعتبر أن تركيا تمارس إذلالاً وقهراً واستبداداً على الأكراد في تركيا وسورية والعراق، وكانت تعمل في ذلك الوقت على السيطرة على المنطقة باستحداث دويلات للأكراد في سورية والعراق، تتدحرج نحو إنشاء دولة كردية في تركيا وربما في اوقات لاحقة في إيران.
هذا ما دفع بأردوغان لتنظيم حملة عسكرية متواصلة تريد دفع أكراد «قسد» السوريين عن كامل حدودها مع سورية بعمق ثلاثة كيلومترات وطول أكثر من 3000 كيلومتر، بذلك ينحصرون بين قوات تركية وأخرى روسية وثالثة للدولة السورية مع قوات أميركية صغيرة العدد تنتشر على طول الخطوط التي تربط بين آبار النفط.
هذه العملية التركية تستعجل حركتها كي تضع نتائجها أمام أية سياسات جديدة لترامب في المحور السوري العراقي؟ فهل هذا ممكن؟
يبدو أن روسيا بدفع من الدولة السورية لم توافق على العملية العسكرية التركية، ولا يتبقى لأردوغان إلا حلفه مع السعودية و»إسرائيل» لاستقبال بايدن بحركتين: ولاء كبير له ومحاولات لأردوغان وابن سلمان ونتنياهو لحماية أدوارهم في بلادهم.
(البناء)