في اليوم العالميّ للتضامن مع الشعب الفلسطينيّ.. متى يتضامن الفلسطينيّون مع أنفسهم؟!: د. عدنان منصور*
عملاً بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 2 كانون الأول 1977، تقرّر الاحتفال رسمياً باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي يحتفل به سنوياً، يوم 29 تشرين الثاني في مقرّ الأمم المتحدة، وذلك، للتأكيد على القرار الأممي 181 الصادر عن الجمعية العامة يوم 29 تشرين الثاني عام 1947
.
يجري الاحتفال السنوي في مقر الأمم المتحدة، وفي مكتبَي الأمم المتحدة في جنيف وفيينا، ومواقع أخرى، حيث يشهد الحدث اجتماعات خاصة بالمناسبة، يدلي فيها مسؤولون كبار في الأمم المتحدة، وفي منظمات حكومية دولية، وممثلون عن المجتمع المدني، ببيانات تتناول القضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة التصرف، بالإضافة الى نشاطات ثقافية وإعلامية تتمّ بالتنسيق مع مكاتب الأمم المتحدة في أنحاء مختلفة في العالم. كما تجري في هذا اليوم المناقشة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة للقضية الفلسطينية وتطوراتها.
رغم أنّ «إسرائيل» تسعى إلى إلغاء القرار الأممي، وبالتوقف عن الاحتفال السنوي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، فإنها لم تستطع أن تجد التأييد من قبل غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتحقيق هدفها.
لكن التساؤل يطرح في هذه المناسبة، للقول: كيف يمكن لأصحاب القضية والمتضامنين معها، من عرب وفلسطينيين وأحرار في العالم، أن يحثوا المجتمع الدولي، ويكسبوا دعمه وتأييده وتضامنه مع قضية إنسانية عالية، ترتبط بشعب حر مسالم، طُرد بالقوة والإرهاب من دياره، بعد تطهير عرقيّ قامت به العصابات الصهيونيّة، ويطلبوا منه العمل على حمل «المحتلّ الإسرائيلي» على تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، في الوقت الذي يجد فيه المجتمع الدولي، أن أصحاب القضية منقسمون على أنفسهم، تستحكم الخلافات في ما بينهم، وتعطل أي عمل وحدوي يجمعهم، ويخدم قضيتهم!
كيف يمكن لقادة الشعب الفلسطيني أن يظفروا بتضامن المجتمع الدولي مع قضيتهم، وأصحاب القضية مختلفون،
تفرقهم المحاور، يتراشقون الاتهامات، ويحمّلون المسؤولية لبعضهم البعض! وهل الانقسام الحاصل بين الفصائل الفلسطينية الذي مرّ عليه سنوات، يخدم القضية، ويعزز من حضورها ودورها على الساحة الدولية؟!
اذا كان الاحتفال الأممي السنوي يرمي الى التضامن مع الشعب الفلسطيني، ويذكر المجتمع الدولي بحقوق الشعب الفلسطيني، فهذا الاحتفال «المعنوي» لا يحقق هدف الفلسطينيين في نهاية المطاف، وإن كان يعطيه جرعات معنوية. فحقوق الفلسطينيين تحتاج الى أبعد من ذلك، وهذه الحقوق لن توفرها الأمم المتحدة التي ظلت منذ عام 1948 وحتى اليوم، عاجزة عن تطبيق القرارات الدولية المعنية بحكم هيمنة دولة عظمى على المنظمة الدولية من خلال مجلس الأمن فيها !
حقوق الفلسطينيين تُنتزَع بالمقاومة وبالنضال والدم، ولا تكتسب او تستجدى، هذا هو منطق تاريخ الشعوب الحرة التي أزاحت عن كاهلها كابوس الاحتلال والمحتلين.
إن خلافات الفلسطينيين وانقسامهم، هو الذي يطيل بعمر الاحتلال الصهيوني لفلسطين. لذا آن الأوان لوقف الانقسام والعودة للتضامن الفعلي، والالتزام بوحدة الصف والهدف، إذ بهذه الوحدة، يتعزّز الحضور الفلسطيني في العالم، وتقترب المسافة من تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية. دونها ستبقى القضية الفلسطينية، يتلاعب بها الكبار، ويقامرون بالقضية في بزار السياسة الدوليّة، تتأرجح وتتوه بين الاحتفالات والمؤتمرات والتوصيات والعطف من هنا وهناك، الذي لا يسمن ولا يُغني من جوع.
ما تحتاجه فلسطين فعلاً، وشعبها في اليوم العالمي، هو تضامن الفلسطينيين، ووقف مهزلة الانقسام والخلافات والاتهامات، والتخوين، والأحقاد، قبل أن نطالب المجتمع الدولي والعالم بالتضامن معهم. من دونه ستظل القضية تراوح مكانها، وتدور حول نفسها، وهذا ما تحرص عليه «إسرائيل» حتى تبقى الضفة الغربيّة في مكان، وقطاع غزة في مكان آخر، والعدو بينهما يحول دون توحّدهما.
إنها مسؤولية الفلسطينيين للخروج من مستنقع الخلافات المدمّرة للجميع، فهل مَن يعي ذلك؟!
*وزير الخارجيّة والمغتربين الأسبق.
(البناء)