بلينكن رجل التفاهم النوويّ ودعم “إسرائيل”: ناصر قنديل
– بعدما بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاستدارة نحو الخضوع لنتائج الانتخابات تدريجياً بإعلانه الفصل بين مسار التسليم بالمرحلة الانتقالية مع الرئيس المنتخب جو بايدن كرئيس قادم، ومسار الاعتراض القانوني الذي يواصله فريقه ضد نتائج الانتخابات على مستوى الولايات ولاحقاً على مستوى فدرالي، وهو يخسرها تباعاً، وبعدما بدأ الرئيس المنتخب جو بايدن بتعيين فريقه الرئاسي، والواضح أن هذا الفريق يضم نخبة من شخصيات الحزب الديمقراطي، لمناصب رئاسة المخابرات ومستشار الأمن القومي ووزارة الخارجية، ويسلط الضوء على مواقف هذه الشخصيات كما يجري عادة مع كل رئيس منتخب وفريقه للتعرّف على سياسات الرئيس، خصوصاً ما يوحي به اسم وزير الخارجية المقبل بالنظر لمواقفه السابقة.
– انتوني بلينكن المرشح لوزارة الخارجية هو من شخصيات الصف الثاني الصانع للسياسات في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، كنائب لوزير الخارجية ونائب لمستشار الأمن القومي، ومواقف بلينكن ليست مجرد مواقف سياسية بل هي تعبير عن منهجية تأسست على تراكم ثقافي لخبير مخضرم في السياسة الخارجيّة، وتشكل ثوابت تطبع توجهاته كواحد من رموز السياسة الخارجية الأميركية منذ كان مستشاراً لبايدن كرئيس للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، والسياسة الخارجية لبايدن التي سيعبر عنها بلينكن، ليس بايدن مجرد رئيس يحمل سياسات محلية جاءت به الى الرئاسة ويسعى لرسم سياساته الخارجية كما هو حال الرئيس ترامب. فالخبرة الرئيسية لبايدن هي في السياسة الخارجيّة وقد شغل لعقود منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ.
– الثوابت التي ترسم السياسات الأميركيّة بديمقراطييها وجمهورييها لجهة الالتزام بأمن وتفوق كيان الاحتلال ترد دائماً في سياق قطع الطريق على قراءة التمايزات التي تصنع السياسة الخاصة بكل رئيس أميركي، الذي يأتي في ظروف توترات دولية عالية الوتيرة، صنعت المناخ الذي رجّح كفة مرشح وأضعف مرشحاً آخر، بالرغم من المكانة الأولى التي يحتلها الوضع الداخلي في خيارات الناخب الأميركي، لكن مع حضور السياسات الخارجية بقوة في حسابات الكتل الناخبة ولوبيات الضغط التي تصنع مناخات الرأي العام. فالعداء لروسيا على سبيل المثال مشترك بين ترامب وبايدن، لكن موقفهما مختلف من معاهدة سباق التسلح التي أعلن ترامب نيّته عدم تجديدها في شباط المقبل إذا أعيد انتخابه مقابل تأكيد بايدن وبلينكن نيتهما التجديد لهذه المعاهدة بعد بدء الولاية الرئاسيّة، وبايدن وترامب متفقان على الحفاظ على مكانة متميزة لأميركا في صناعة السياسة العالمية ويتمسكان بمكانتها كقائد موجّه لهذه السياسة، لكنهما يختلفان بقوة حول كيفية التعامل مع أوروبا وحلف الناتو والأمم المتحدة.
– في المنطقة ثابتان متعارضتان في سياسة بايدن وبلينكن، التمسك بالحلف مع كيان الاحتلال والتمسك بالعودة للتفاهم النوويّ مع إيران، فبماذا يفكر بلينكن بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن بايدن، وفقاً لما كتبه ويقوله بلينكن، في الملف الفلسطيني «الإسرائيلي» محاولة لموقف يحفظ بعض مكاسب كيان الاحتلال من سياسات ترامب من نوع نقل السفارة الأميركية الى القدس، مقابل إعادة القنصلية الأميركية لدى السلطة الفلسطينية، وإعادة القنصلية الفلسطينية في واشنطن، ورفض سياسات الضم والاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، لكن الملف الجوهري الخلافي بين قيادة الكيان وإدارة اوباما – بايدن كان التفاهم النووي، وقد شهدت ولاية ترامب نشوء ثلاثي أميركي إسرائيلي سعودي على خلفية الانسحاب الأميركي من التفاهم النووي. وهذا الخلاف سيعود أقوى الىى السطح في ظل اعتبارات اضافية لخلاف مع الادارة السعودية لولي العهد محمد بن سلمان، لا يخفيها بايدن ولا بلينكن، والعودة للتفاهم النووي ليست جائزة لإيران بنظر بايدن وبلينكن، بل هي كما كانت في مرحلة اوباما – بايدن، المخرج الواقعي الوحيد من مأزق الملف النووي الإيراني، حيث لا العقوبات تجدي ولا السقف الأعلى منها أنتج جديداً مع ترامب، ولا الحرب ممكنة كما تعترف إدارة ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي، بدليل عدم خوض الثلاثي لها خلال أربع سنوات مضت.
– العودة للتفاهم النووي ستكون حتمية مع بايدن وبلينكن، من ضمن سلة تفاهمات خرج منها ترامب وستتم العودة اليها، من اتفاقية المناخ الى تفاهمات منظمة التجارة العالمية ومنظمة الصحة العالمية واتفاقية وقف سباق التسلح، وهذه العودة الهادفة لترميم صورة واشنطن وعلاقاتها ومكانتها عالمياً، هي في ما يخص التفاهم النووي موضوع خلاف قديم مستجدّ مع نتنياهو من ايام ولاية اوباما – بايدن، كما كانت موضوع خلاف قديم مستجدّ مع الحكم السعودي في اوائل عهد ولي العهد السعودي، مع فارق أن الخلاف هذه المرة مشفوع بعوامل مضافة، أولها أن ثنائي نتنياهو بن سلمان ذهب حتى النهاية مع ترامب، وثانيها ان فرصة الثنائي لفرض خياراتهم مع ترامب تجاه إيران كانت أمامهم خلال اربع سنوات كبديل للتفاهم وزادت نتائجها أسباب التمسك بالتفاهم كطريق وحيد لحل أزمة الملف النووي.
– لن يحجب التزام بايدن بلينكن بالتفاهم النووي التزام بايدن بلينكن بأمن «اسرائيل» والتحالف معها، لكن القانون الحاكم للمشهد الإقليمي سيكون قرار العودة للتفاهم النووي وستكون تداعيات هذه العودة هي التي تصنع السياسة.