مقالات مختارة

أهمية دقة التعبيرات في الصراع مع العدو! د. فايز رشيد

 

 

من المعيب كثيرا : عدم مراعاة دقة المصطلحات اللغوية في التعبير عن الصراع مع العدو الصهيوني , الذي   ينفذ في مصطلحاته إلى الساحات العربية وهو يتقصّد ذلك . من المعيب ترديد تعبيراته التي يريدها حتى دون قصد منا , وهو المصّرعلى الانتقال باسم كيانه إلى مفهوم ” الدولة اليهودية” بما يعنيه ذلك من دلالات!. نردد كلمة “حرب مصطلحات خفية” تدور بيننا وبين الكيان , اذ دأب البعض من السياسيين الفلسطينيين والعرب ، إضافة إلى بعض أجهزة الإعلام العربية على إطلاق مصطلح: الصراع (أو حتى النزاع!)الفلسطيني – الإسرائيلي على الصراع في الشرق الأوسط.. أيعقل هذا!؟. يطلقون أيضا على الكيان تعبير ” الدولة العبرية”! بينما يهود اليوم (وفقا لـ غوستاف لوبون وروجيه غارودي وغيرهما كثيرون لايمتون بصلة إلى يهود الأمس.أيضا ووفقاً لباحثين ومؤرخين غربيين وعرباً، منهم على سبيل المثال لا الحصر: ج.د. درايغر أستاذ اللغة العبرية في جامعة اكسفورد, وفي مقالة له في دائرة المعارف البريطانية. أيضا وفقا المنقب(الأثري) وخبير اللغات القديمة كلوفاني بيتيناتو، وكذلك الدكتورمحمد نحل أستاذ التاريخ في جامعة الأزهر وغيرهم، وبخاصة كذلك بعد اكتشاف لغة(إبلا) في مغائر مملكة (إبلا) السامية، جنوبي حلب، فإن كلمة “عبرية”، هي كلمة عامة تطلق على طائفة كبيرة من القبائل الرحِّل في صحراء الشام، وجاءت بهذا المعنى في الكتابة المسمارية والفرعونية، ولم يكن لليهود وجود في ذلك الحين، ولما وُجد اليهود وانتسبوا إلى إسرائيل,كانوا هم يقولون عن “العبرية” إنها لغة كنعان. كذلك,فإنه وفقا للعديد من الباحثين العرب في بحث لهم بعنوان ” ملف الثقافة اليهودية ” يؤكدون على : أن لغة اليهود في فلسطين وبلاد الشام ,ممن تواجدوا فيها,كانت الكنعانية مثل لغة باقي سكان فلسطين والشام .أما الباحث عبدالوهاب الجبوري وفي بحثه القيّم: (نشاة اللغة العبرية وتطورها) فيؤكد على :أن اليهود قاموا بتحريف الحقائق التاريخية والعملية والادعاء بتاريخية اللغة العبرية وإعطائها صفة الاستقلالية .اللغة العبرية هي إحدى اللهجات الآرامية والكنعانية(أي في عصر ما قبل ظهور اليهودية كديانة … والدين لا يعني إثنية ولا عرقا, ومخاطبة الله عز وجل لليهود في قرآننا الكريم,ينطلق من مخاطبتهم كأهل ديانة ) . جماعات اليهود في العالم لا تزال تتحدث بلغات الشعوب الموجودة بين ظهرانيها , وهذا هو الأصل. اما بعض الحاخامات ومعهم المتدينون, فيحرصون على ابتكار لهجة خاصة بهم,فالتجمعات اليهودية في العالم, لا تزال لا تأخذ باللغة العبرية , فبعض الأشكناز( اليهود الغربيين) يتحدثون الييدشية والتي هي خليط عجيب من لهجات ولغات أوروبية حديثة, اما بعض السفارديم (اليهود الشرقيين) فيتحدثون بلهجة اللادينو الإسبانية . فيما بعد ومع بدايات نشوء القوميات الأوروبية , ظهر مفهوم “الصهيونية السياسية” وليس “الدينية” . حرص الحاخامات وعلماء اللغة من اليهود على تطوير اللهجة اليديشية (المشتركة بين الغربيين والشرقيين وتحويلها إلى لغة عبرية … وجاء شعار الصهيوني آحاد هاعام :أول عبري من اليهود!).

أذكركذلك: أنني كتبت مقالة حديثةعلى صفحات ” الخليج” بعنوان : بعد الاعتراف بـ “يهودية” الكيان سيأتي دور “عبريته” . نعم التعبيران مرتبطان , ولكل منهما نفس التداعيات الخطيرة على الفلسطينيين وحقوقهم الوطنية,وعلى العرب والعديد من أقطارهم, فشعار “دولة إسرائيل الكبرى” لم ينته بعد من مخيلات اليمين الصهيوني المتطرف ,والذي وفقا لاستطلاعات عديدة في دولة الكيان ,يحقق إنجازات متصاعدة , والتقديرات :أنه في عام 2025 سيشكل ما نسبته 62% من الشارع الصهيوني في دولة الكيان.

من يستعمل هذا التعبيرات المقيتة والخاطئة ربما لا يدرك معانيها: باختصار,تعني الاعتراف بالرواية الصهيونية للتاريخ الفلسطيني العربي: أرضاً وشعباً وحضارة، وتعني أيضاً , أن فلسطين ملتصقة منذ فجر التاريخ باليهود , وأن العرب والفلسطينيين طارؤون عليها، وتعني أيضاً :زيف التاريخ العربي-الإسلامي لفلسطين، وتعني شئنا أم أبينا، حقاً تاريخياً لليهود في فلسطين، و أنها فعلاً هي(أرض الميعاد) بالنسبة لهم،وأنه يحق للكيان التعامل مع فلسطينيي منطقة 48 باعتبارهم مواطنين من درجة سادسة، وأن من حق “إسرائيل” ممارسة التمييز ضدهم ومن حقها طردهم , ففلسطين هي دولة(عبرية) أو(يهودية) لا فرق في ذلك، فالتعبيران يصبان في نفس المجرى، ويعني ويعني ويعني….. أشياء أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها جميعاً.

تتطرق كتب كثيرة إلى المسألة اليهودية ,من كتاب كارل ماركس عن هذه المسألة،مروراًبالمفهوم المادي للمسألة اليهودية، “إمبراطورية الخزر وميراثها .. القبيلة الثالثة عشرة” للباحث والمؤرخ اليهودي المعادي للصهيونية آرثر كوستلر المترجم إلى العربية والصادر عن دار اليوسف عام 1978, وغيرها، وصولاً إلى شلوموساند في كتابيه “اختراع الشعب اليهودي” و”اختراع أرض إسرائيل” وغيرهم وغيرهم كثيرون , ينفون وجود أية روابط بين اليهود القدامى واليهود الحاليين ,وبالتالي هم يقفون أيضا إلى جانب خطأ استعمال مفاهيم مثل ” الدولة العبرية” , “الدولة اليهودية” , “الشعب الإسرائيلي” ,”الشعب اليهودي”, “القومية الإسرائيلية” , “القومية اليهودية” و “الأمة الإسرائيلية” .. وغيرها من التعبيرات الخاطئة في وصف الكيان!.. لذا فإن الدقة في توصيفه تحتل أهمية كبرى في صراعنا التناحري معه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى