الى متى تتحمّل الولايات المتحدة توترات رئيس لا يعترف بالهزيمة؟: عمر عبد القادر غندور*
ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» انّ الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، والذي دخل الوقت الضائع حتى العشرين من كانون الثاني المقبل سأل مستشاريه عن الاحتمالات لشنّ هجوم على الموقع النووي الرئيس في إيران، في الوقت الذي سرّبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بياناً يفيد بأنّ مخزونات إيران من اليورانيوم وصلت الى 12 ضعف من الحدّ الأقصى البالغ 300 كلغ. لكن مستشاريه نصحوه بعدم القيام بأيّ ضربة لأن العواقب ستكون رهيبة وتهدّد باندلاع مواجهات قد تتورّط فيها عدة دول.
مثل هذه الحماقة من رئيس موتور مأزوم ومهزوم قد تبقى واردة في حسابات هذا الرجل ولسان حاله يقول: أنا الغريق وما خوفي من البلل، ولا يأبه بما ستلحقه حماقته من أذى لبلاده التي تعاني انكماشاً اقتصادياً لم تعرفه من قبل بسبب جائحة كورونا المتحكّمة بمفاصل المجتمع الأميركي الذي خسر آلاف الأشخاص ومئات الآلاف من المصابين، ما شكّل همّاً للرئيس المنتخب جو بايدن للسيطرة على الجائحة، ويدعو الرئيس ترامب الى التعاون للمساهمة في هذا الجهد محذراً من انّ مواطنين أكثر سيموتون بسبب رفض الرئيس ترامب التنسيق مع فريقه المعني بالمرحلة الانتقالية.
وبقدر ما يسيء ترامب الى نفسه اغتراراً واستبداداً، فهو يسيء الى الديمقراطية التي طالما تغنّت بها الولايات المتحدة وخاضت حروباً وغزوات لنشر قيَمها وصلاحيتها وقدسيتها المزعومة، فإذا هي تنهار في أول اختيار على الأرض الأميركية، ويشهد العالم اليوم انقسام الشعب بين أبيض وملوّن وكاثلوكي وبروتستانتي ومهاجر، وما أفرزته انتخابات الثالث من تشرين الثاني 2020 خير دليل على بطلان هذه الديمقراطية التي تقوم على أكتاف الشركات وقوة المال وتطور السلاح.
وربّ قائل انّ الولايات المتحدة تقف اليوم على مفترق طرق، وليس هيّناً إعادة اللحمة بين كوكتيل الأميركيين في ولاياتهم الخمسين، وهو ما يقلق الرئيس الجديد بايدن الذي يعلن انّ الأولوية التي سيعمل عليها هي إعادة توحيد الاميركيين. وكلما استمرّ النزاع بينهم تضاعف الضرر الذي يلحق بسمعة أميركا الديمقراطية وبالدول الحليفة والحلفاء الأوروبيين الذين يتشدّقون بنعمة الديمقراطية.
وتقول صحيفة «الغارديان» البريطانية انّ نتنياهو الحليف الأقرب الى ترامب يريد الاستثمار في إشكالية الانتخابات الأميركية وأقدم يوم الانتخابات على هدم 74 منزلاً فلسطينياً معظمهم من النساء والأطفال في قرية خرحمصة المحتلة في الضفة الغربية. وازدادت عمليات الهدم في الضفة الغربية في عام التطبيع ربما استعدادا لضمّ غور الأردن الى «إسرائيل» وهي الخطة التي يدعمها ترامب، ويحذر محللون من انّ نتنياهو قد يواصل بشكل تعسّفي «خلق» حقائق جديدة على الأرض بمباركة ترامب.
وهناك من يتحدث عن تحرك صيني في همروجة تداعيات الانتخابات الأميركية والتنازع المحتدم بين أصحاب الشأن، لإضعاف المجلس التشريعي في هونغ كونغ وهو ما يمثل تحدياً للجمهوريين والديمقراطيين على حدّ سواء حيث أعلنت بكين صراحة أنها لن تتسامح مع الأفكار الديمقراطية والمجتمعات المفتوحة وحرية التعبير هناك وفي ايّ مكان يمكن الوصول إليه.
ويبدو انّ قادة الصين قد حسبوها بشكل صحيح انّ الولايات المتحدة مشتتة للغاية بسبب الميلو دراما الرئاسية لدرجة انها لن تكون قادرة على الردّ في الخليج وفي أيّ مكان.
ولا يكتفي ترامب بالصراخ والتغريد والادّعاء اتجه الى تجييش الشارع الأميركي على حساب سمعة أميركا ومكانتها القيادية في العالم، بالإضافة الى إعاقته للتعاون الدولي في العديد من القضايا مثل أزمة المناخ والوباء الكوروني، وفي آخر صرعاته في الساعات القريبة الماضية إقالة رئيس وكالة الأمن القومي السيبراني كريس كيربس.
ووصف جون بولتون مستشار الأمن السابق تغريدات ترامب بأنها «مراهقة وغير سياسية» متوقعاً ان لا يرحل ترامب بهدوء قبل ان يتسبّب بضرر كبير للولايات المتحدة.
وإذ يحضّر الرئيس ترامب لفوضى سياسية عارمة للولايات المتحدة في أيامه الأخيرة المتبقية. يصوّب على إيران ويتهمها برعاية الإرهاب ويحاصرها بأقصى العقوبات، ولم يتخلّ بعد عن فكرة ضربها عسكرياً، ومع ذلك يصرّ على وصفها بالإرهاب، بينما دولته هي التي تمارس الإرهاب وتنشر عشرات القواعد العسكرية في المنطقة العربية ويتهم غيره بالإرهاب! والى متى سيستمرّ هذا العهر الاميركي، وهل في مكان ما في الدولة الأميركية العميقة من يضع حداً لحماقات رئيس لا يقرّ بالهزيمة ولا الاعتراف بالرئيس المنتخب ويصرّ على تعريض الوحدات الأميركية للأذى لمجرد الانتقام من الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي حذرته من مغبة طيشه بردّ مزلزل يوازي الأسى الذي نتج عن اغتيال الشهيد قاسم سليماني.
* رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي
(البناء)