وعد بلفور الاستعماري المستمر… والطريق الوحيد لإسقاطه وتحرير فلسطين ..: حسن حردان
حلّت ذكرى وعد بلفور الاستعماري الذي مكّن الحركة الصهيونية من احتلال فلسطين وإقامة دولة صهيونية استيطانية عنصرية وتشريد مئات آلاف الفلسطينيين من أرضهم وديارهم… حلّت الذكرى في ظلّ استمرار هذه المؤامرة الاستعمارية الغربية، والتي تتجسّد اليوم في ما يلي…
أولاً، استشراس المشروع الصهيوني الاستعماري في فلسطين في احتلاله وتوسعه الاستيطاني في أرض فلسطين المحتلة والجولان السوري المحتلّ، من خلال مواصلة ارتكاب المزيد من الجرائم الإرهابية وفرض سياسة الأمر الواقع الاحتلالي بدعم غير محدود من الدول الاستعمارية الغربية، وفي المقدمة دعم الولايات المتحدة الأميركية، التي توفر لكيان العدو الصهيوني كلّ عوامل القوة العسكرية والاقتصادية والمالية والسياسية والدبلوماسية إلخ…
ثانياً، انّ الاستعمار الغربي، بقيادة أميركا يعمل هذه الأيام على دعم الكيان الصهيوني في مخططه لاستكمال تنفيذ أهداف وعد بلفور، عبر منحه وعداً ثانياً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب يقوم على الآتي…
1 ـ فرض خطة القرن الهادفة إلى تمكين حكومة العدو برئاسة بنيامين نتنياهو من تهويد كامل مدينة القدس والضفة الغربية وصولاً إلى إعلان الدولة الصهيونية العنصرية على أرض فلسطين التاريخية وعاصمتها القدس تمهيداً لبناء الهيكل المزعوم في المسجد الأقصى وتحويله إلى كنيس يهودي.
2 ـ إجبار الحكومات العربية التابعة للغرب على توفير الغطاء لهذه الخطة الاستعمارية المكمّلة لوعد بلفور، عبر توقيع اتفاقيات صلح واعتراف بالدولة الصهيونية، وإعلان تخليهم عما التزموا به من دعم حقوق الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس… وآخر الاتفاقيات التي وقعت، في هذا السياق، مع كيان العدو، كانت من قبل حكومات، الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان.. بضغط وإملاء مباشر من إدارة ترامب التي هدفت من هذه الاتفاقيات دعم المشروع الصهيوني في تحقيق أهدافه من ناحية، وكسب المزيد من تأييد الجماعات الصهيونية واليمينية المحافظة في الولايات المتحدة في حملة ترامب الانتخابية…
3 ـ مواصلة الحروب الإرهابية والحصار الاقتصادي ضدّ الدول العربية والاسلامية، لا سيما سورية وإيران، الرافضة للمشروع الصهيوني الأميركي، والداعمة لحق الشعب الفلسطيني في أرضه والعودة إليها.
غير أنه من الواضح أنّ هذا التصعيد من قبل إدارة ترامب في دعم كيان العدو الصهيوني وتمكينه من تحقيق مكاسب طالما حلم في تحقيقها لناحية إقامة العلاقات مع الدول العربية وعدم ربط ذلك بإيجاد حلّ للقضية الفلسطينية، لا بل القفز فوق هذه القضية المركزية في صراع الأمة العربية مع العدو الصهيوني، كان الهدف منه ولا يزال محاولة إخراج الكيان الصهيوني من مأزقه نتيجة هزائمه المتتالية أمام المقاومة في لبنان وقطاع غزة ونجاح المقاومة في فرض معادلات الردع والرعب في مواجهته، مما لجم العدوانية الصهيونية وشلّ قوتها العسكرية وجعلها عاجزة وغير قادرة على فرض المشيئة الصهيونية…
فهل نجحت كلّ من واشنطن وتل أبيب ومعهما الحكومات الرجعية في إخراج «إسرائيل» من مأزقها؟
المدقق في تطوّرات الصراع وما آلت إليه الرهانات على التسوية من نتائج، والحروب الإرهابية من نتائج عسكرية وسياسية، يصل إلى خلاصات مغايرة… يمكن حصرها بأربع…
الخلاصة الأولى، تنامي مأزق المشروع الصهيوني نتيجة فشل الحرب الإرهابية الكونية، بقيادة أميركا، في إسقاط الدولة الوطنية السورية المقاومة، ونجاح سورية في الصمود وتحقيق الانتصارات الهامة التي أفشلت أهداف هذه الحرب، بدعم من حلفائها في محور المقاومة وروسيا، مما أحبط هدف وعد ترامب لنتنياهو لتصفية الحقوق الفلسطينية وفرض الاستسلام على الفلسطينيين والعرب…
الخلاصة الثانية، ترافقت انتصارات محور المقاومة في مواجهة الحرب الإرهابية، مع انتصارات المقاومة اليمنية في مواجهة الحرب الأميركية السعودية، وتنامي قوة فصائل المقاومة العراقية، الأمر الذي عزز قوة محور المقاومة وادى إلى اتساع جبهته الداعمة للمقاومة الفلسطينية.. وأوجد موازين قوى جديدة لمصلحة جبهة المقاومة في مواجهة المعسكر الأميركي الغربي الصهيوني العربي الرجعي، وفاقم من مأزق وأزمة كيان العدو الصهيوني، النابع من انتصارات قوى المقاومة وتعاظم قوة محور المقاومة واتساع جبهته، بالقياس لما كانت عليه عشية بدء الحرب الإرهابية على سورية…
الخلاصة الثالثة، تشكل بيئة استراتيجية جديدة في المنطقة لمصلحة قوى المقاومة، بيئة تحاصر كيان الاحتلال في فلسطين المحتلة وتسند نضال الشعب الفلسطيني ومقاومته، وتمنع محاولات استفراده وحصاره من قبل تحالف الحكومات العربية الرجعية مع كيان العدو الصهيوني، وهو التحالف الذي اضطرت أميركا إلى تظهيره للعلن لمحاولة تعويض كيان العدو عن الهزائم التي مُني بها المشروع الأميركي الصهيوني في مواجهة محور المقاومة، وبالتالي إخفاقه في إخضاع المنطقة وإعادة رسم خريطتها وفق منظور المصالح الاستعمارية الأميركية الصهيونية، واستطراداً إخفاقه في توفير الظروف المواتية لتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية وفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني.. فلا يمكن أن ترسم خريطة المنطقة وفق المشاريع الاستعمارية الغربية، وأن تتمّ تصفية القضية الفلسطينية، في ظلّ وجود محور للمقاومة يحقق الانتصارات، ويملك القدرات على ردع العدوانية الصهيونية، ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني… وإحباط مشاريع الهيمنة الاستعمارية…
الخلاصة الرابعة، تعزيز خيار وثقافة المقاومة نتيجة عوامل عدة، وهي:
العامل الأول، انتصارات المقاومة في لبنان وغزة وسورية والعراق واليمن والتي برهنت بأنّ المقاومة الشعبية المسلحة، المستندة إلى الحق، تستطيع أن تهزم قوى الاحتلال والاستعمار وجيوشهم الإرهابية، مهما امتلكت تلك الجيوش من قدرات وإمكانيات وأسلحة دمار شامل وارتكبت من مجازر إرهابية…
العامل الثاني، توافر القيادة الثورية الشجاعة والحازمة والصلبة التي تقود هذه المقاومة، والتي تمتلك مشروعاً تحرّرياً، والرؤية وبعد النظر والقدرة على إدارة المعركة وخوض الصراع مع عتاة المحتلين والمستعمرين وأشرس الإرهابيين التكفيريين الذين جندوهم.
العامل الثالث، سقوط خيار التسوية والمساومة، الذي طالما كان يبرر التخلي عن خيار المقاومة بالقول، ان القبول، بالتسوية والمساومة على الحقوق، مقابل الحصول على جزء من هذه الحقوق، هو أفضل الممكن والسبيل الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأنّ المقاومة المسلحة لا يمكن أن تهزم العدو الصهيوني المدعوم من أميركا، أقوى دولة في العالم… لقد سقط هذا المنطق المساوم، عندما وجه العدو الصهيوني وبدعم أميركي الطعنة القاتلة لنهج أوسلو، وأعلن نهاية هذا النهج، لمصلحة العمل على فرض خطة القرن والقول لكلّ الذين نظّروا لـ «أوسلو» ودافعوا عنه وراهنوا عليه، انه ليس أمامكم إلا القبول بالأمر الواقع الصهيوني والاستسلام للحلّ الصهيوني الذي يقوم على نفي حق الفلسطينيين بوطنهم فلسطين، والتسليم بالرواية الصهيونية للصراع التي تزعم انّ فلسطين إنما هي ملك للصهاينة اليهود، ولا حق للفلسطينيين فيها…
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول، بعد أكثر من مئة عام على وعد بلفور المشؤوم، إنّ المقاومة المسلحة ضدّ المحتلً والمستعمر تزداد تجذراً وقوة وقدرة وشعبية، بعد أن نجحت في تحقيق الانتصارات، وتبديد ثقافة الهزيمة والاستسلام والعجز، وتأكيد أنّ الالتزام بنهج المقاومة في مجابهة الاحتلال، والتمسك بالحقوق ورفض المساومة عليها، هو السبيل لصنع الانتصار وتحرير الأرض، والتحرّر من الاستعمار بكلّ أشكاله…
(البناء)