“المخاطرة الكبرى” للمملكة العربية السعودية سايمون هندرسون
“فورين بوليسي“
26 آذار/مارس 2015
الأخبار العاجلة: “حرب في الشرق الأوسط!” حسناً. أنت كنت قد قرأت ذلك من قبل. ولكن الضربات الجوية، وتحركات القوات، والتفجيرات الانتحارية التي تتصدّر عناوين أخبار اليوم ليس لها أي علاقة بالصراعات الطويلة الأمد المتعلقة بإسرائيل أو فلسطين أو سوريا أو برنامج إيران النووي.
ومع ذلك، عليك أن لا تنظر إلى الأحداث في اليمن، كونها هامشية. فهي مركزية لميزان القوى في العالم العربي، وللتوترات داخل الإسلام، كما وتبقى في صلب المخاوف في سوق النفط العالمي. إن القيادة الجديدة للمملكة العربية السعودية، التي بدأ جيشها بشن ضربات جوية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في 26 آذار/مارس والتي تعمل باستمرار على تأمين قبضتها على السلطة العسكرية، هي اللاعب الرئيسي في تشكيل مسار هذه الحرب الجديدة المضطربة في الشرق الأوسط. والسؤال هو: هل لا زلت مرتبكاً (مرتبكة)؟
حسناً، لننظر إلى حقيقة أن مركز صنع القرار السعودي اليوم هو بيد وزير الدفاع الجديد والإبن المفضل للملك، الأمير محمد بن سلمان، الذي تسلم منصبه قبل شهرين فقط. وقد نُشرت صورته من على موقع “آراب نيوز” (Arab News) في السادس والعشرين من آذار/مارس وهو يترأس اجتماعاً لكبار القادة السعوديين. ولا تساعد لحيته الكاملة على إخفاء شئ يذكر من كونه شاباً – وقد ورد في وسائل الإعلام المختلفة بأن عمره لا يقل عن 27 عاماً أو لا يزيد عن 35 عاماً. وفي كلتا الحالتين، [فإن النقطة المهمة هنا هي أنه] ليس لديه خبرة عسكرية.
وقبل ذلك بيومين، كان الأمير محمد قد حضر الاجتماع الأسبوعي لـ “مجلس الشؤون السياسية والامنية”، وهو أعلى هيئة لصنع القرار شكلها العاهل الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود. وقد جلس الأمير محمد قبالة وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، الذي يتحمل مسؤولية الشؤون الدولية السعودية منذ قبل ولادة الأمير محمد، كما وجلس إلى اليسار من رئيس المجلس وزير الداخلية ونائب ولي العهد محمد بن نايف، وهو ابن عم آخر للأمير محمد وأكبر منه سناً، والذي يرى مراقبون سعوديون أنه منافس له في السيطرة على ملف اليمن. وكان محمد بن سلمان، وليس أبناء أعمامه الأكبر سناً، هو الذي سافر إلى مطار الرياض في السادس والعشرين من آذار/مارس لاستقبال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لدى وصوله إلى العاصمة السعودية.
قد يكون الأمير محمد بن سلمان شاباً ولا يمتلك الخبرة، ولكن هذه العيوب يوازنها قُربه من والده، الملك سلمان البالغ من العمر 79 عاماً، والذي يقال عنه إن إبنه هو بمثابة الذاكرة المتحركة له [أي يساعد والده على إدارة أموره] . ومن غير الواضح ما هو دور الملك في تطوير السياسة المتعلقة بأزمة اليمن المتسارعة التغيير. ويبدو أن اجتماعاً هاماً كان قد عُقد في 21 آذار/مارس عندما زار الرياض وليا عهد البحرين والإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن رئيس الوزراء القطري ونائب رئيس الوزراء الكويتي. وقد ترأس ذلك الاجتماع وزير الداخلية محمد بن نايف، ولكن حضره أيضاً الأمير محمد بن سلمان. وقد يبرز مؤشر [آخر] على الدور القيادي الفعلي للملك في القمة العربية التي تُعقد في نهاية هذا الأسبوع في المنتجع المصري شرم الشيخ على البحر الأحمر.
ستكون القضية الرئيسية على جدول الأعمال في شرم الشيخ هي إعادة الرئيس هادي إلى السلطة في صنعاء. ولكن يبدو أن ذلك أكثر قليلاً من مجرد طموح في هذه المرحلة. إذ يظهر أن الضربات الجوية التي شُنت في السادس والعشرين من آذار/مارس كانت تستهدف إضعاف قدرة الحوثيين على تهديد المدن السعودية، وليس انتزاع سيطرتهم على العاصمة اليمنية. إن التخوف السعودي الفائق من المتمردين المدعومين من إيران، الذين هم من الشيعة الزيدية – وبالتالي، من وجهة نظر الكثيرين في المملكة، ليسوا مسلمين حقيقيين – يمتد إلى الخوف من قيامهم بإطلاق صواريخ على مكة المكرمة.
ومع ذلك، فإن الضربات الجوية قد تثير أحقاد وعداء الحوثيين بدلاً من ردعهم. وفي السادس والعشرين من آذار/مارس أدان زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي المملكة العربية السعودية باعتبارها دمية في يد إسرائيل والولايات المتحدة، قائلاً إن جماعته “ستواجه القوى الإجرامية وأدواتها في البلاد“.
وتوضح الأزمة اليمنية أيضاً إلى أي مدى سيستمر فريق الملك سلمان في السياسة الخارجية للملك الراحل عبد الله، أو ينصرف عنها. فقد كان الملك السابق مهووساً بالتخلص من الرئيس السوري بشار الأسد واحتواء دور «حزب الله» في لبنان. وفي إحدى برقيات وزارة الخارجية الأمريكية التي كُتبت بلغة فظة على وجه الخصوص والتي نشرها موقع “ويكيليكس”، أعلن عن رغبته بـ “قطع رأس الأفعى” – ويعني إيران.
إن الفرق الرئيسي في القيادة الجديدة في السعودية، حتى الآن، يتمثل بعلاقة الملك سلمان مع أمير قطر الجديد، تميم بن حمد آل ثاني، والتي تبدو أفضل بكثير من علاقة الملك عبد الله مع القيادة السابقة للجارة الخليجية الثرية. ومع مرور الوقت سنعرف ما إذا كان هذا مجرد تغيّر أسلوبي، أم جوهري. وعلى الرغم من عودة قطر إلى الساحة بعد خلاف دبلوماسي مع الرياض في الآونة الأخيرة، لا يزال «مجلس التعاون الخليجي» – المكوّن من المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان – يبدو أنه مكوّن من خمسة أعضاء بدلاً من ستة، بسبب السلوك العُماني الخاطئ.
إن الزعيم العُماني المنعزل، السلطان قابوس – الذي عاد هذا الأسبوع إلى بلاده بعد قضائه فترة من العلاج الطبي في ألمانيا دامت ثمانية أشهر – يبدو أنه يستمتع كونه الرجل الغريب المفارق للنسق. فعندما استولى الحوثيون على صنعاء في الشهر الماضي، أعلنوا على الفور تسيير 28 رحلة أسبوعياً بين اليمن وإيران (بعد أن كانت هذه معدومة سابقاً). وهذه الرحلات، التي يمكن أن تنقل أسلحة إيرانية وربما مستشارين، تطير فوق سلطنة عُمان. أليس في ذلك ما يكفي للتحدث عن تضامن دول «مجلس التعاون الخليجي»؟ [أي أن السلطنة تتعاون مع الحوثيين وليس مع دول «المجلس»].
والسؤال الهام الذي يطرح نفسه هو إلى أي مدى تدعم إيران الحوثيين – وإذا ما كانت طهران تعتبر أن سيطرة الحوثيين تشكل هدفاً استراتيجياً، أو نتيجة عرضية للأحداث. ومن المؤكد أن إيران تعرف جيداً كيف تلعب على أوتار المخاوف العربية: فقد كان التعليق الذي أدلى به برلماني في طهران العام الماضي بأن ثلاثة عواصم عربية – بغداد ودمشق وبيروت – تخضع فعلياً لسيطرة إيران أدت إلى الاعتقاد الشائع بأن صنعاء أصبحت العاصمة الرابعة.
وقد تعني القمة العربية أيضاً أن مصر تحاول البروز مجدداً كزعيم إقليمي في الشرق الأوسط. وفي ظل انتهاء عصر حسني مبارك وحيث أصبح نظام مصر الاقتصادي معلولاً، أضافت المملكة العربية السعودية بشكل فعّال زعامة العالم العربي إلى مكانتها الحالية التي أطلقتها على نفسها وهي زعيمة العالم الإسلامي. وقد تسارعت وتيرة هذه المكانة خلال العام الفوضوي من حكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي. ولكن منذ مجئ الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة – وانتقال الحُكم في المملكة العربية السعودية بعد وفاة العاهل السابق، بالإضافة إلى انهيار أسعار النفط – ازدادت مطالبة مصر بأن تكون في موقع السلطة العليا [في العالم العربي]. ويبدو أن القاهرة هي الآن على وشك الدخول في الحرب الدائرة في اليمن أيضاً.
قد لا يكون التنافس الدبلوماسي على القيادة الإقليمية قد اختمر حتى الآن، ولكن كلتا الدولتين، مصر والسعودية، لديهما مصالح جغرافية في التأكد من أن الأزمة في اليمن تأخذ في الانحسار. وتنظر المملكة العربية السعودية إلى اليمن باعتبارها فنائها الخلفي، وتواجه تهديداً إرهابياً محتملاً من الجهاديين الذين استقروا في المناطق النائية في البلاد. أما مصر فهي أكثر بعداً – ولكن اليمن تتحكم في مضيق باب المندب عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. ويجري نقل كميات أقل من النفط عبر هذه الممرات البحرية من تلك التي تُنقل عبر مضيق هرمز عند مدخل الخليج العربي – ولكن أي تدخل له تأثير على قناة السويس عند الطرف الشمالي، مصدر القوة الاستراتيجية الأكبر لمصر.
وهناك ميزة مثيرة للدهشة من “عملية عاصفة الحزم” – الإسم الذي أُطلق على العملية التي تقودها السعودية في اليمن – وهي عدد وحجم الالتزامات [التي خصصتها الدول المشاركة في] التحالف كما ورد في التقارير ؛ إذ أسهمت السعودية بـ 100 طائرة مقاتلة، و150 ألف جندي، وبعض الوحدات البحرية، ونشرت البحرين 15 طائرة مقاتلة، وتعهدت الكويت بنفس العدد. ونشرت قطر 10 طائرات مقاتلة، في حين تساهم الأردن بست مقاتلات أخرى. وحتى أن السودان وعدت بإرسال ثلاث طائرات. ونشرت مصر وحدات غير محددة من القوات البحرية والجوية، وسيتم نشر قوات برية “إذا لزم الأمر”. ويجدر بالذكر إن المساهمات المشتركة في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا كانت تافهة مقارنة بهذه المساهمات.
ومع ذلك، لا يبدو حتى الآن أن لدى أي من هذه الدول “خطة بديلة” إذا لم تتمكن الحملة من إعادة الرئيس هادي إلى منصبه في قصره الرئاسي. وفي أحسن الأحوال، سيكون مثل هذا الفشل محرجاً للمملكة العربية السعودية – وخاصة لوزير الدفاع الجديد، الذي ربما لن يدوم طويلاً في منصبه. ومع ذلك، فبالنسبة للسيسي، قد يكون مسار الأحداث فرصة له لإعادة تأكيد دور مصر القيادي في منطقة الشرق الأوسط.
سايمون هندرسون هو مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.