ناشونال انترست: تفوق الولايات المتحدة فكرة قائمة على وهم
نشرت مجلة ناشيونال إنترستمقالا تناول بالتعليق كتابا صدر حديثا تحت عنوان “نشوء الهيمنة الأميركية على العالم” لمؤلفه ستيفن ويرثيم نائب مدير البحوث والسياسات في معهد كوينسي للحكم المسؤول (The Quincy Institute for Responsible Statecraft).
واستهلت المجلة الأميركية مقالها بعبارة مفتاحية لمؤلف الكتاب ويرثيم يرى فيها أن ظاهرة التفوق الأميركي فكرة قائمة على وَهْم.
ووفقا للرواية السائدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فقد استطاع أصحاب النظرة البعيدة من أنصار مبدأ “الأممية” إقصاء الانعزاليين في واشنطن من موقع السلطة، ليحرروا بذلك الولايات المتحدة من القيود التي كبّلتها لتحتل مكانتها كزعيمة دون منازع للنظام الليبرالي العالمي، وضامنة عسكرية له.
وذكر ويرثيم في إحدى المقابلات على منصة البودكاست الإذاعية أن ما جاء في تلك الرواية لم يحدث. وقال إن “مصطلح (الانعزالية) لم يظهر إلى حيز الوجود إلا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. وقد ذاع ذلك المصطلح حينها كصفة أُريد من ورائها تشويه صورة المناوئين لفكرة استخدام القوة الذين لا يريدون أن تكون للولايات المتحدة صلة بالعالم الخارجي“.
وأضاف مؤلف الكتاب “علينا أن نُخرج من رؤوسنا فكرة أن هناك مجموعة من الأميركيين آثرت العزلة. هم ببساطة لا وجود لهم“.
بل بالأحرى كان هناك “توافق واسع في الآراء وسط أنصار مبدأ الأممية على ضرورة أن تتجنب الولايات المتحدة التورط في أي أعمال عسكرية في أوروبا وآسيا”، حسب تعبير ستيفن ويرثيم في كتابه المذكور.
على أن ذلك لا يستوجب العزلة عن العالم، بل على العكس من ذلك، لكن أنصار الأممية -وهو مبدأ سياسي يتجاوز القومية ويدعو إلى تعاون سياسي أو اقتصادي أكبر بين الأمم والشعوب- تمسكوا بضرورة أن يقتصر تواصل الولايات المتحدة مع العالم، بدرجة أو بأخرى، على التجارة وغيرها من التبادلات السلمية. كما شددوا على أن تمتنع واشنطن عن استخدام سياسة القوة “الغاشمة” مع الدول خارج نصف الكرة الأرضية الغربي، وهي السياسة التي يرون أن العالم القديم ابتُلي بها.
وفي ضوء هذه الخلفية، فلا غرابة أن واجهت المحاولة الأميركية لبسط سيادتها العسكرية على العالم في بادئ الأمر مقاومة في الداخل. وكان أن انقلب دعاة التفوق العسكري على الفكرة رأسا على عقب. وألقوا باللوم على قدامى الأمميين -الذين يصفونهم الآن من باب السخرية بـ”الانعزاليين”- لفشلهم في احتواء الفاشية خلال الفترة ما بين الحربين العالميتين، وجاهروا بمساواة “الأممية الحقة” بالهيمنة العسكرية على العالم.
ويحذر مؤلف الكتاب من أن مجرد محاولة بعض النخب إضفاء شرعية على خياراتهم وتصوير الهيمنة أو الانعزالية على أنها الخيار الوحيد، لا يعني بالضرورة أن خياراتهم خاطئة، “فالمسوِّغ الأصلي للتفوق كان له منطق متماسك، فقد كان يعني الحيلولة دون هيمنة قوى شمولية على معقل الصناعة العالمية في أوروبا وآسيا“.
وأوضح ويرثيم أن المشكلة تكمن في أنه إذا انتهجت الولايات المتحدة سياسة الهيمنة، فإن المشروع يصبح “ذاتي الاستدامة والبقاء”. وإذا كانت الغاية هي التفوق العسكري، فالأمر لا يعد مهما سواءً كان أعداؤك هم السوفيت أو الصينيين أو الإيرانيين أو الكوريين الشماليين.
وطالما ظلت المصالح الأميركية عالمية الطابع، فإن حدودها ستكون حتما مهددة من قبل جهة ما في مكان ما، وفقا لمقال ناشيونال إنترست الذي كتبه زاك براون، مساعد مسؤول السياسات بصندوق باورشيرز (Ploughshares Fund)، وهي مؤسسة دولية تُعنى بدرء خطر انتشار الأسلحة النووية ومنع النزاعات التي قد تؤدي إلى استخدامها.
وإذا لم تتمكن واشنطن من التخلي عن تلك المصالح بطريقة آمنة، فعندئذ لابد من الدفاع عنها. ويستدعي ذلك -كما يؤكد ويرثيم- استثمارا أكبر في البنية التحتية العسكرية، مما سيطلق سباق تسلح لا نهاية له بين القوات الأميركية “المنتشرة في مناطق بعيدة” والقوى الإقليمية “المهددة دائما” من الجيش الأميركي.
ويقول مؤلف الكتاب في هذا الصدد إن الولايات المتحدة جلبت على نفسها كثيرا من الأعداء حول العالم، “فقد شهدنا حروبا لا تتوقف في الشرق الأوسط الكبير. ورأينا كيف أن الكراهية التي أشعلتها تلك الحروب تحولت ضد المهاجرين والخصوم السياسيين، وربما ضد الديمقراطية نفسها“.