لا أدوية لمريضات السرطان: راجانا حمية
منذ شهرين تقريباً، تعاني مريضات سرطان الثدي من انقطاع عقارَي «تاموكسيفين» و«نولفادكس» اللذين يُستخدمان في مرحلة ما بعد العلاج للوقاية من عودة الخلايا المريضة. منذ شهرين، ولا أحد يملك الجواب الذي بسببه يحرم 70% من المرضى من علاج أساسي في «الرحلة» مع السرطان. العودة إلى حوادث سابقة مماثلة لا تستحضر سوى الخلاصة الآتية: فتّشوا عن تجار الدواء والمحتكرين
ماذا يعني الوصول إلى المحظور؟… يعني أن تنقطع أدوية أساسية يستخدمها مرضى السرطان من دون أن توجد لها بدائل. هذا هو، بالضبط، ما يعنيه المحظور مع وصول عدد من مريضات سرطان الثدي إلى حافة اليأس بعد جولات يومية على أكثر من صيدلية بحثاً عن دواءين أساسيين، هما «تاموكسيفين» (tamoxifen) و«نولفادكس» (nolvadex)، يستخدمان خلال مرحلة العلاج وما بعدها. وهما، بحسب منظمة الصحة العالمية، من الأدوية الأساسية التي تعطى لمرضى سرطان الثدي للوقاية من عودة المرض، وكذلك للعلاج الهرموني.
منذ شهرين تقريباً، فُقد هذان العقاران، ولم يعد لهما أثر في معظم الصيدليات. ولا يزال الانقطاع مستمراً إلى الآن. لا أحد يملك جواباً شافياً عما يحدث، فيما المريضات «يتسوّلن» ما يمكن من تلك الأدوية من الجمعيات وفي أحيانٍ كثيرة من بعضهن بعضاً. وقد دفع ذلك، أول من أمس، برئيس الجمعية اللبنانية لمكافحة سرطان الثدي، الدكتور ناجي الصغير، إلى رفع الصوت عالياً والمطالبة بتأمين الـ«تاموكسيفين» بشكلٍ فوري بسبب اعتماد شريحة كبيرة من المريضات على ذلك الدواء، يقدّرها الصغير بـ 30 ألفاً.
«من أصل 40 ألف مريضة بسرطان الثدي، هناك 30 ألفاً حياتهن وصحتهن معرّضتان للخطر بسبب انقطاع هذا الدواء»، هذا ما يؤكده الصغير، انطلاقاً من أن الـ«تاموكسيفين» هو الأكثر استخداماً، إذ إن «70% من المريضات يحتوي السرطان عندهن على مستقبلات الهرمونات النسائية ويحتجن إلى هذا الدواء (…) لمدة خمس أو عشر سنوات». مع ذلك، لا يبدو أن أحداً من المعنيين يأخذ في الحسبان ما الذي يعنيه هذا الأمر بالنسبة إلى مريضات يكافحن عودة السرطان إليهنّ بهذا العقار. فإلى الآن، لم يخرج أحد من المعنيين لشرح ما يحصل، لا من وزارة الصحة، ولا من نقابة مستوردي الأدوية التي تصرّ على ردّ الأسباب إلى تأخر مصرف لبنان في بتّ طلبات الاستيراد من الخارج.
لكن، كل ذلك لا يعني شيئاً لمريضة بات الدواء بالنسبة إليها «مسألة حياة أو موت»، بحسب الصيدلي جو سلوم الذي «اختفى» الدواء من رفوف صيدليته منذ نحو «شهرين أو ثلاثة». لا يعرف اليوم سلّوم ما إذا كان الدواء مقطوعاً أو مخزّناً. ففي ظل سياسة التقنين التي تمارسها شركات استيراد الدواء وأصحاب المستودعات، وفي ظل «ازدهار» أنشطة التهريب بسبب رخص الكثير من الأدوية، لا يعرف اليوم الصيادلة، ومعهم المرضى، الجواب الحاسم. ما يعرفونه أنهم محرومون من الدواء. وهذا الحرمان مزدوج: لا «براند» ولا «جينيريك» يقيهم شرّ عودة السرطان إلى الخلايا.
30 ألفاً من 40 ألف مريضة بسرطان الثدي معرّضات للخطر بسبب انقطاع الـ«تاموكسيفين»
وهنا، يتحدث البعض ممن هم على تماس مع مريضات سرطان الثدي عن «التدهور النفسي» الذي رافق هذا الانقطاع. وفي هذا الإطار، يشير هاني نصار، أحد مؤسسي «جمعية باربرا نصار» التي تعمل على تأمين الأدوية لمريضات السرطان، إلى أن «ما يحصل اليوم كارثة». ينطلق نصار من هاجس أن الجمعية التي كانت تعمل على تأمين الأدوية، تحاول اليوم «تسكيج» أوضاع بعض المريضات من خلال العمل على تأمين ما يمكن من ذلك الدواء، إضافة إلى عقار الـ«نولفادكس»، من خلال «المرضى الذين ليسوا بحاجة إليه أو ممن لديهم علب إضافية يمكنهم الاستغناء عن واحدة منها». ما من حلول أخرى اليوم، فيما الطلب يزيد يوماً بعد آخر على الدواء مع تصاعد الأزمة.
لا «تاموكسيفين» ولا«نولفادكس»… و«الحبل ع الجرار». إذ من المتوقع، بحسب المعنيّين، أن تفقد أدوية أخرى. ولئن كان أحد لا يملك الإجابة عن الأسباب، يمكن العودة إلى ظروف مشابهة أدت قبل أربعة أشهرٍ إلى انقطاع أدوية مدرّة للبول (مثل burinex وlasix) يستخدمها مرضى القلب ومرضى القصور الكلوي المزمن. يومها كان ثمة سببان، أولهما السبب الظاهر المتعلّق بالتأخير في فتح الاعتمادات من جانب مصرف لبنان. أما الآخر، وهو الأساسي، فيتعلق بتحكم تجار الأدوية بالكميات التي يوزعونها، و«خصوصاً في ظل عمل البعض منهم على تخزين الكميات لبيعها في حال رفع الدعم بأسعار مضاعفة أو لتهريبها ولمراكمة أرباح منها». وهذا السبب هو نفسه الذي يردّده نقيب الصيادلة، غسان الأمين، انطلاقاً من أن سعر الدواء البالغ 15 ألف ليرة بات يشكل اليوم، بسبب رخص سعره، تجارة مربحة.
«الصحة» تكافح تهريب الأدوية بالـ bar coding
في الآونة الأخيرة، نفّذ وزير الصحة العامة، حمد حسن، «كبسات» على مستودعات أدوية وصيدليات في عددٍ من المناطق، انتهت بتأكيد وجود أنشطة تهريب إلى خارج لبنان، إضافة إلى تخزين الأدوية تمهيداً لبيعها بأسعار عالية في ما بعد. أمام هذا الواقع، عقد حسن اجتماعاً طارئاً أمس، ضم نقباء الصيادلة غسان الأمين ومصانع الأدوية في لبنان كارول أبي كرم ومستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات كريم جبارة، لمتابعة «الملف المفتوح» للدواء. وكان الاجتماع مناسبة ليعلن الوزير حسن عن الآلية الجديدة في تتبع الأدوية ومراقبتها. وفي هذا الإطار، أشار حسن إلى أنه «سيتم تطبيق آلية مراقبة تتيح معرفة الكميات المشحونة وكيفية تسليمها وتوزيعها من خلال استخدام الـ bar coding بحيث يمكن تتبع الأدوية والصيدليات التي تم صرفها منها». ورأى أن الأولوية اليوم هي تأمين الأدوية للمرضى من خلال «عدالة التوزيع»، على أن تستكمل وزارة الصحة تتبع كل دواء مفقود «بطريقة عكسية، بحيث يتم تحديد الخلل وسبب فقدانه». أما عدالة التوزيع، بالنسبة إلى حسن، فتعني الرفض الكلي للسياسة التي ينتهجها مستوردو الأدوية وأصحاب المستودعات لناحية التعامل مع قطاع الصيدلة بـ«طبقية».
وإذ طمأن الوزير إلى أن«كمية الأدوية الموجودة في المستودعات تكفي لمدة تراوح بين شهرين وثلاثة أشهر»، دعا إلى «ترشيد توزيع هذه الكميات بشكل يؤمن حاجات الناس إلى نهاية العام»، وإلى حين «تأمين كمية إضافية تكفي لثلاثة أشهر أخرى من المال الذي لا يزال متوافراً في مصرف لبنان».
(الاخبار)