بقلم ناصر قنديل

كشف حساب «أسرلة الخليج»: ناصر قنديل

– الأكيد أن ذهاب حكومات الإمارات والبحرين نحو اتفاقات وتفاهمات تتضمن التطبيع والتعاون الأمني مع كيان الاحتلال، وفرضية لحاق سلطنة عمان بهما، ما كان ليصير لولا الموافقة السعودية التي عبّرت عن نفسها بفتح الأجواء أمام طيران الكيان، وفي ظل تأكيدات إعلام الكيان لحجم العلاقة السعودية الإسرائيلية من جهة، وللتعاون المشترك مع السعودية والإمارات في الحرب على اليمن، وفي ظل فتوى مستغرَبة عن إمام الحرم المكي يشرّع فيه اغتصاب الأرض الفلسطينية أمام المستوطنين، متحدثاً عن حق تاريخي مزعوم يتقاطع مع الخرافة الصهيونية لأرض الميعاد. يضاف إلى ذلك ما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد محادثة مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، عن قرب الالتحاق السعودي بركب التطبيع ولم تنفه السعودية، رغم أنه أعاد تأكيد كلامه في حفل التوقيع، والأكيد أن صيغة تعامل الحكومات التي سارت بالتطبيع تعبر عن شعورها بالمأزق، سواء بادعاء الحديث عن مكاسب مقابلة للتطبيع تتصل بإلغاء إجراءات ضم الضفة الغربية، نفاها رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو، أو ببيانات متلاحقة تتحدث عن ترابط التفاهمات التطبيعية مع التزامات أميركية وإسرائيلية بحل للقضية الفلسطينية وفقاً لصيغة الدولتين، رغم أن صفقة القرن نسفت الصيغة من جذورها، وصولاً لمستوى منخفض في التمثيل في حفل التوقيع، بغياب الملك البحريني وولي العهد الإماراتي، رغم ما يفرضه حضور الرئيس الأميركي ورئيس حكومة الكيان.

 

– الأكيد أننا أمام أسرلة الخليج تعويضاً لفشل كيان الاحتلال في فرض محاولات تغيير التوازنات وقواعد الاشتباك على جبهات جنوب لبنان وفلسطين وسورية، والأكيد أن المكاسب الأميركية والإسرائيلية واضحة، تكتيكياً بالاستعراض الانتخابي الذي يحتاجه كل من ترامب ونتنياهو، واستراتيجياً بالتموضع على ضفاف الخليج في وجه إيران، وبينهما مكاسب اقتصادية يراهن عليها الإسرائيلي وعلى رأسها تعزيز مكانة مرفأ حيفا واستغلال غياب مرفأ بيروت عن الخريطة، في توقيت مريب لترابط الحدثين، لكن السؤالين المرادفين هما، هل هذه المكاسب تعني تحولاً في الموازين، وما هي مكاسب الحكومات الخليجية الموازية، خصوصاً أن طبيعة المشكلات التي تعصف بالكيان والمجتمع الأميركي وتحدد أولويات الناخبين لا يغير فيها الاستعراض الذي شهده البيت الأبيض، وأن مقابل هذه المكاسب من الواضح أن السياق الناتج عن مسار الأسرلة الخليجي يفتح باب ديناميكية أمنية وسياسية فلسطينية كانت الوحدة أول عناوينها، وتتجه نحو معادلة الانتفاضة الشاملة التي قالت التجارب إنها وحدها تعيد صياغة المشهد العربي الشعبي والسياسي، رغم أنف الحكومات، وبالتوازي يفتح باب متغيرات في الأمن الخليجي أبرزها سحب الوساطة الإيرانية مع أنصار الله لتحييد الإمارات من دائرة الاستهداف الناتج عن مشاركتها في الحرب على اليمن، وما قد يترتب على ضربات يمنية موجعة للإمارات، التي يصفها اليمنيون بمدن الزجاج.

– في التوازنات الحاكمة للمنطقة، تقول التجارب التاريخية إن معيار القوة الأميركية والإسرائيلية يتحدد بعنوانين ثابتين، الأول هو القدرة على شن الحروب، ولا يبدو أن أحداً يتوهم إضافة لموازين القوى يمثلها ضم البحرين والإمارات لجبهة اختبرت قواها الفعلية في ذروتها بشراكة الخليج والناتو وضمنه تركيا ومعهما أميركا و»إسرائيل» في الحرب على سورية، وكانت نتيجته الفشل وتفكك حلف الحرب، والثاني هو القدرة على عزل الشعوب في المنطقة عن خيار المقاومة عبر تعزيز أوهام التفاوض والتسويات، وفرصها انطلاقاً من البوابة الفلسطينية، انطلاقاً من إدراك تاريخي لصناع القرار في واشنطن بأن وضع الشعوب في المنطقة والشعب الفلسطيني تحت مظلة وهم التفاوض والتسوية هو أكبر خدمة تقدم لكيان الاحتلال، وأن الانتقال من هذا المربع إلى إسقاط فرص التفاوض وسد أبواب التسويات، يضع شعوب المنطقة وفي مقدّمتها شعب فلسطين في طريق التوحّد وراء خيار المقاومة، ويستدرج وضعاً أشد صعوبة على كيان الاحتلال، لا يمكن لواشنطن سلوكه إلا عندما تعتقد أن كيان الاحتلال فقد قدرة التحرك، وأن مسؤولية حمايته باتت عهدة أميركية، وأن إقامة الجدران حول الكيان يجب أن تتوسّع لحدود ضمان الأمن الإسرائيلي، بوجه محور المقاومة، أسوة بجدار الفصل العنصري في فلسطين وجدران الحماية التي يتم السعي إليها في مواجهة جنوب لبنان وغزة والجولان، وصولاً لجدران الخليج الذي يتم تحويله لخط دفاع أمامي في أي مواجهة مقبلة تهدّد أمن الكيان.

– التدقيق في المصالح الخليجية يكشف بوضوح ضعف الحجج التي تساق للدفاع عن اتفاقات التطبيع، ومحاولات ابتداع أسباب موجبة مصلحية، فالأمن الخليجي سيصير أشد عرضة للتهديد بدلاً من الحماية، والمصالح الاقتصادية ستكون مهددة بالطموحات والأطماع والمقدرات التي تملكها المصارف والشركات التي تملكها اللوبيات اليهودية في العالم والتي كانت تتردد باتخاذ كيان الاحتلال مقراً لها، ستتجه نحوه كمقر بما فيها تلك التي كانت تتخذ من دبي والمنامة مقراً، ومرفأ حيفا سيشطب فرص التوجه الأوروبي نحو الخليج من جداول رحلات السفن نحو جبل علي، والتماسك الداخلي سيتعرض للاهتزاز عندما يبدأ التموضع الإسرائيلي وما يرافقه من العبث، وإذا كانت إيران تتصرف قبل أسرلة الخليج بمنطق الحرص على التهدئة، فإن ما بعد الأسرلة يمنح إيران خط تماس على مرمى حجر بمشروعية كاملة مع المصالح الأميركية الإسرائيلية في ظل الكلام الخليجي الأميركي الإسرائيلي عن حلف أمني عسكري بوجه إيران.

– دجاجة حفرت على راسها عفرت.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى