لماذا يستهدف الأميركيّون الرئيس بري؟: د. وفيق إبراهيم
العقوبات الأميركية على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس بذرائع لا يقبضها أحدٌ تكشف ان هناك استهدافاً مركزاً يصوّب باتجاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري لأسباب وطنية متفرقة، مغطياً هذا الرشق «الأولي» بإصابة تيار آل فرنجية المعروف بتحالفه مع سورية وحزب الله.
لماذا نبيه برّي؟
الوزير خليل جزء من تركيبته السياسية بما يعني أن توقيع عقوبات أميركية بحقه، هي رسالة مكشوفة للرئيس بري بقامته الوطنية التاريخية.
بداية هذه العقوبات هي أميركية صرفة ولا علاقة لها بالقانون الدولي، لكن النفوذ الأميركي العالمي يفرض على الكثير من الدول في العالم الالتزام بها.
اما التصويب على بري في هذه المرحلة بالذات فهي محاولة لتقزيم دوره الوطني التاريخي، لان المعروف عن رئيس المجلس قدرته على نصب تحالفات فاعلة وتحييد قوى هي في المقلب الآخر وتهدئة الشارع.
حتى انه يشكل الضامن الأكبر المدافع عن النظام السياسي وضرورات استمراره في هذه المرحلة بالذات لتجاوز أكبر «قطوع» كارثي يجتازه لبنان الكبير منذ تأسيسه في 1920 وانطلاق دولته في 1948.
بهذا الاتهام المنتقى أميركياً بعناية المحترفين، يحاول الأميركيون الإمساك بدولة ضعيفة منصاعة تطبق ما تطلبه منها الادارات الأميركية بصمت الخانع.
لذلك تبدو هذه العقوبات وكأنها رسالة لبري حتى يخفف من حدة دوره السياسي – الوطني لمصلحة المشروع الأميركي الذي يراهن على حكومة جديدة تضم أكبر قدر ممكن من حلفائهم في الداخل اللبناني من بين الجمعيات المشبوهة و»أبطال» ثورة مفبركة يتعاملون مع السفارات الغربية.
هنا لا بدّ من تأكيد أن المشروع الأميركي في لبنان بدأ يتشكل على قاعدة رفض الزيارة التي قام بها رئيس حركة حماس هنية الى لبنان مؤخراً، والدليل ان القوى المتأمركة في لبنان هاجمت الزيارة إعلامياً، وقالت علناً ان لبنان ليس في حالة حرب مع «اسرائيل» وذلك تمهيداً للإصرار على إقامة علاقة دبلوماسية معها.
هذا الانحراف السياسي لا يمكن ان ينمو سياسياً في ظل وجود قامة وطنية فاعلة بحجم تاريخية بري الذي يلتزم منذ سبعينيات القرن الماضي بالتحالف مع سورية وإيران والفلسطينيين حتى ان دوره النيابي الاستيعابي لم يقبل مرة واحدة بالتنازل عن هذه الثوابت مغطياً سياسياً الدور الإقليمي لحزب الله.
يتبين ان التصويب الأميركي غير القانوني على بري له أسباب وطنية تظهر بوضوح في ابتعاد العقوبات الأميركية عن فاسدين حقيقيين يمسكون بلبنان السياسي والاقتصادي منذ ثلاثين عاماً ومعظمهم من حلفاء الأميركيين والخليجيين.
الأمر الذي يؤكد على أنها رسالة لكل الطبقة السياسية اللبنانية، بأن لا كبير عندها في لبنان، بما يجعلها تتلقى تعليماتها من السفيرة الأميركية في بيروت.
هناك اذاً محاولة لكسر آخر زعامة وطنية من رئاسات النظام الأساسية وحماته، يعمل الأميركيون على تقليص وزنها، خصوصاً لجهة أثرها في التحالف مع حزب الله، هذا الأثر الذي ينشر تفاهماته على مناطق بكاملها في الجنوب والبقاع والضاحية وبيروت ومناطق أخرى.
إلا أن موضوع ترسيم الحدود اللبنانية البحرية والبرية لا يغيب عن ذهن الأميركيين في عقوباتهم الأخيرة.
فحرص بري على ترسيم يحفظ الحقوق اللبنانية في الغاز والأرض لا يطيقه الأميركيون.
والطريف أن وزارة الخارجية الأميركية أعلنت قبل وقت قليل من إعلان عقوبات بلادها، ان ترسيم الحدود بين الكيان المحتل ولبنان يتقدّم بإيجابية كبيرة.
فمن يصدّق أن هناك تقدماً في هذا المجال، يقابله الأميركيون بعقوبات على الطرف الرئيسي المتابع لهذا الترسيم وهو الرئيس بري وفريق عمله بما يؤكد ان العقوبات في جزء منها هي رسالة لتمرير وجهة النظر الأميركية في هذا الترسيم من دون أي ممانعة من بري الحريص بالطبع على مصالح بلاده.
يتضح اذاً أن العقوبات ثلاثية المرامي، وتبدأ من محاولة الانتقاص من الوزن السياسي الكبير والتاريخي للرئيس بري وإثارة اهتزاز في علاقته بحزب الله، ومحاولة السطو على الغاز اللبناني بالترسيم جنوباً وتمرير عقود لشركات أميركية او أخرى موالية في المناطق الأخرى.
لجهة الوزير فنيانوس فالعقوبات عليه هي الرسالة الاولى لكل حلفاء حزب الله بأن دورهم في العقوبات مقبل إذا واصلوا بناء تحالفات مع فريق بري حزب الله على مستوى لبنان.
فإذا كان الأميركيون ارادوا ايضاً اثارة رعب فريق فرنجية والأرمن والسنة المستقلين، فإنهم يرغبون ايضاً بإرهاب التيار الوطني الحر وطموحات جبران باسيل وحتى بعض المعتدلين في تيار المستقبل بأن مقصلة العقوبات لن ترحمهم.
هناك إذاً مشروع أميركي للعودة الى الإمساك بلبنان بجحيم العقوبات والحصار الاقتصادي، وذلك بالمباشرة باستهداف أقوى ركن دستوري لبناني يجمع بين المهارة في السياسة وشعبيته وتحالفه مع حزب الله وسورية وإيران.
الامر الذي يوضح أنها عقوبات متدرجة تهدد كل القوى السياسية من دون التغاضي عن هويتها الأميركية التي تحتم على الدولة اللبنانية رفضها رسمياً والإعلان عن عدم الاستعداد لقبولها وتطبيق مفاعيلها حرصاً على آخر ما تبقى من كرامة وسيادة لهذا البلد المنتهك.
(البناء)