بلد التصنيفات والمفردات والغرائب…: د. عدنان منصور*
نحن في بلد نستخدم ما هبّ ودبّ من مفردات سياسية، وتعابير استنبطناها لأنفسنا وأقنعنا شعبنا بها، وتعاطينا مع دول العالم من وحيها. تذاكينا على الناس، وأردنا ان نثبت للداخل والخارج، انّ لنا وضعنا وخصوصيتنا. خصوصية اعتبرناها إنجازاً عظيماً، دون ان نعلم أنها بدعة وهرطقة أردناها للعب على حبال السياسة ومصالح الوطن، وحقوق المواطن، وتخدير الناس وإقناعهم زوراً بما يرسمه ويقوله الزعماء والسياسيون ويخططون له، ويروّجون لفذلكات أرادوا بها تخدير الشعب وترويضه وإلهاءه بالقشور، دون الاكتراث لمطالب المواطن وجوهر الدستور، وما يتطلع إليه ويريده الجمهور. فتصبح الزمرة الحاكمة في مكان، ويصبح الشعب في مكان آخر، ليدور بينهما في ما بعد حوار الطرشان.
في لبنان نسمع بالميثاقية الطائفية، والديمقراطية التوافقية، والوزارات السيادية، والوزارات الخدمية، والوزارات الهامشية، والوزارات الوازنة، والتوقيع الأول والثاني والثالث، والرؤساء الثلاثة، وصاحبي الدولة، ونادي رؤساء الحكومات السابقين، ودورهم في منحهم الثقة والبركة للرئيس المكلف، او الرفض وحجب الثقة مسبقاً عنه، ليلقى القبول أو الرفض الذي يتخذه الرؤساء السابقون في ما بعد، اعتراض أو بركة المرجعية الروحية للرئيس المكلف. وكثيراً ما نستخدم عبارات التوازنات المناطقية، والجغرافيا، والطائفية والحرص على تمثيلها، وكذلك التوازنات في التعيينات الإدارية والقضائية والعسكرية والدبلوماسية والوظيفية، ومراعاة المراكز للطائفة، وتطويبها الدائم لها، ليصبح في كلّ مؤسسة رسمية ووزارة فريق عمل أشبه بمجلس ملي غير متجانس فكراً ورؤية وأداء وعملاً. عدا مصطلح بركة المرجعيات الروحية وتباهي «السياسيين المؤمنين» من آن الى آخر الإعراب عن سعادتهم وحرصهم على التظلّل تحت عباءتها، وخطوطها الحمر.
هناك أيضاً الوزير الملك، والثلث المعطل، وحكومة الوحدة الوطنية، وحكومة الإنقاذ. وحكومة الأقطاب، وحكومة المرحلة القادمة، وحكومة سياسية، وحكومة وحدة وطنية، وحكومة تكنوقراط وحكومة تكنو سياسية، وحكومة وفاق وطني، وحكومة طوارئ، وحكومة حيادية، وحكومة اختصاصيين وسياسيين مستقلين، وحكومة أصحاب اختصاص مدعومة من أقطاب الطبقة السياسية، وحكومة غير حزبية على ان تحوز على رضى الأحزاب، وحكومة مزاد عددي، من 14 أو 16 أو 18 أو 20 أو 24 أو 30 وزيراً، وحكومة موسعة تضمّ وزراء دولة لإرضاء كلّ الطوائف، او حكومة مصغرة تضمّ وزراء يمثلون أقطاب الطبقة السياسية الحاكمة، او حكومة أقطاب ضيقة «للمهمات الصعبة» او حكومة فضفاضة لا تجعل أحداً يعتب عليها.
مزاد الحكومة يبدأ، ومسودة تشكيلات وزارية تهطل بغزارة علينا يومياً، بأسماء وألوان وأشكال، كلّ يروّج لنفسه، ويطرح اسمه أياً كان معياره وقيمته، فتتناقلها ببلاهة وخفة وسائل إعلام لا همّ لها الا التسابق على الخبر، وأيّ خبر؟! أسماء تعلو وأسماء تهبط، اسم يحزف واسم يُضاف، بازار ما بعده بازار، لا ترى مثيلاً له إلا في هذا البلد التائه الفريد من نوعه في العالم كله، الذي يظلّ زعماؤه يبحثون عن الحلول له وهم عقدة العقد، يريدون إنقاذه وهم غارقون في قاع المحيط، لا يعرفون كيف الخروج منه.
حكومات تتبع حكومات، رؤساء وزراء يأتون ويذهبون، ووزراء يمرّون مرور الكرام، إلا الشعب يبقى في المستنقع الذي وضعته فيه الطبقة الحاكمة الدائمة، يبحث عن الخلاص، وعن المخلص الذي يخرجه منه الى الحياة مجدّداً.
فمتى يأتي هذا المخلص، حيث لم يبقَ أمام اللبنانيين إلا الدعاء، وهو أضعف الإيمان.
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق
(البناء)