دروب الجلجلة العربية …
فاطمة طفيلي
في زمن القيامة التي أعقبت مسيرة آلام السيد المسيح يتطلع المؤمنون في العالم العربي إلى بصيص أمل يفتح الطريق إلى قيامة الأمة وخلاصها مما تتخبط فيه من صراعات دامية وحرائق متنقلة تكاد لا تبقي ولا تذر، وحروب تتطور عناوينها في اتجاهات قاربت الخيال والمستحيل. فهل باتت الآمال مجرد أضغاث أحلام، نلجأ إليها هربا من مرارة ما يجري، ومن يأس يكاد يكون مطبقا، في عالم متوحش يستمتع بنهش أجساد ضحاياه وجلهم من الأطفال؟!.
فرضية اليأس القاتل يعززها ما يجري من فظاعات ترتكب باسم الدين تارة وباسم الوحدة العربية ومستقبل العروبة تارة أخرى، وتلك الأعداد الهائلة من المنظرين المبررين، والمبشرين بالفرج الآتي عبر نخوة عربية مفاجئة، وصحوة ضلت طريقها بعد عقود من السبات العميق والصمت المطبق عن القضية الأساس، قضية فلسطين وأهلها وأرضها السليبة بغير وجه حق؟!.
فأين كانت العروبة يوم اغتصبت فلسطين وسُفك دم أهلها، ويسفك كل يوم آلاف المرات على أعينهم، وماذا جنى الأطفال في مهد المسيحية حتى يحرموا من بهجة العيد وفرح القدوم إلى الفادي في هذه الأيام المباركة، حاملين أغصان الزيتون وفي البيت عدو متربص، لفحت نار حقده كل زيتون الأرض، فأنّى للأغصان عنوان السلام القادم أن تنجو والوحدة العربية الخائبة تتحرك بالاتجاه المعاكس للقضية وأهلها؟.
وحدهم أطفال اليمن استحقوا أن يجتمع القادة العرب سريعا من أجلهم، ليقرروا الحرب عليهم وعلى عجل، كيف لا وقد استفزتهم براءة الأطفال المتعبة في مخيمات القهر والفقر هربا من نار أحقادهم، وعلى أسرّة المرض في مستشفيات مُنعت حتى من تأمين الدواء، فأعمت بصائرهم، بعدما رأوا فيها تهديدا لعروشهم البائدة، امتشقوا سلاح العار في عجلة من أمرهم، وانسلوا في عتمة ليل للاقتصاص منهم وتأديبهم، فأي إنجازات عظيمة تلك التي تحققت، وفي المشهد عشرات الأطفال المهشمة أجسادهم، والمحروقة معالمها بطريقة أعادت لذاكرة لم يُقدّر لها أن تنسى بعد صور الإجرام الصهيوني ومشاهد القتل والتدمير التكفيري الممتدة على مساحات الوطن العربي.
هكذا أحيا العرب يوم الأرض هذا العام بنماذج مستنسخة عن تلك التي يقترفها الصهاينة، مع فارق أنها تنفذ بأيد عربية، وفي بلد عربي آخر، وإن كانت الأسلحة هي ذاتها والمصدر واحد، فأي فخر لعروبة لم تحركها المجازر الصهيونية منذ اغتصاب فلسطين إلى اليوم، وأي وحدة تلك التي لم تتحقق، على علاتها ورغم القصور الفاضح الذي اعتراها بتغييبها أو باستهدافها لأقطار أساسية في المشهد العربي، إلا خدمة لمشاريع الاستعمار والسيطرة والسطوة على الأرض والثروات العربية؟.
بمعزل عن التأييد والانحياز لفريق ضد آخر، أليست حقيقة مخزية أن يتحرك سلاح عربي اعتراه الصدأ على مدى سنوات في مخازن لم تتوقف عن تكديس ما ينتجه الغرب، وتغطية أكلاف مصانع الموت الدمار، باتجاه صدور عربية، وبعناوين يبدو المستفيد الأول منها عدو يدّعي الشراكة مع محركي هذا السلاح في الأهداف والمصير، فيما هو دائم التربص للإيقاع بالجميع خدمة لمصالحه؟!.
أليس معيبا أن تبقى الثروات النفطية مرصودة لتغطية أكلاف حروب ينفذها الغرب ضد منطقتنا مباشرة أو عبر قوى الشر المتعددة الوجوه، وفي بلادنا العربية الآلاف المؤلفة من الفقراء والمعوزين والمشردين والجياع؟!.
أليس مريبا ما يتعرض له المقاومون والمدافعون عن القضايا والحقوق العربية من هجمات مبرمجة وحملات تشويه وتشهير، ولأية أهداف يجري كل ذلك، وهل انعدمت سبل الحوار والتلاقي بين الأشقاء والأخوة، وهل أقفلت أبواب فرص حل الخلافات القائمة وإزالة الأحقاد ونبذ الفرقة باتجاه التوحد على استثمار مكامن القوة، وفي أساسها المقاومة المنتصرة، إلى درجة ان يهون عليهم إفناء بعضهم بعضا؟!.
وأصبح للدول العربية جيوش تجتمع، وأسلحة تهدد بها أخوة وشركاء في الانتماء والمصير، فهل ستتحرك تلك الجيوش بهذا الاتجاه، على الرغم من أنها إن فعلت سترسم بفعلتها طريق النهاية والمصير الأسود للمنطقة وأهلها؟!. وإن تحقق ذلك، فهل ستبقى الشعوب العربية قاعدة تنتظر مصيرها المحتوم، وهي التي أثبتت قدرتها على الصمود والمواجهة والانتصار للعدالة والحق العربي؟!.
كما انتصرت آلام السيد المسيح على الظلم، وقهر الموت بقيامته، ومهما قست الظروف وطال الزمن ستنتصر آلام المقهورين والمعذبين في هذه الأرض، وستبقى الآمال معقودة على قيامة عربية ترسم معالم مستقبل جديد لأوطان تبنيها الأجيال الصاعدة.