تيك توك ولقاح كورونا .. وغروب الإمبراطورية
غالب قنديل
تشير مظاهر اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية عديدة في العالم إلى تراجع صورة التفوق التكنولوجي الأميركي التي حكمت الكرة الأرضية منذ الحرب العالمية الثانية واجتاحت العقول حتى باتت بمثابة المسلمة المطلقة التي لا تتزحزح والسمة التي بنيت عليها خرافة القرن الأميركي مع أبشع حروب الغزو والتدمير الأميركية في الشرق الكبير التي دمرت أفغانستان والعراق وسورية.
أولا شرعت تتفكك خرافة التفوق العسكري الأميركي الذي لا يقهر منذ حرب تموز 2006 في لبنان التي أصدر البنتاغون حولها دراسة مفعمة بالخيبة عن دروس تفوق قوة شعبية مقاتلة على الآلة العسكرية الغربية واحدث ترساناتها المتطورة في الشرق لدى الكيان الصهيوني ورغم الانخراط الأميركي المباشر في إدارة تلك الحرب وتذخيرها بكل ما هو متاح في مستودعات الجيش الأميركي عبر القواعد العسكرية المنتشرة على أرض الشرق الأوسط في بلدان عربية واجنبية انحازت بكل وضوح إلى العدو الصهيوني وساهمت في خطة تدمير وإبادة رسمها البنتاغون للتخلص من مقاومة حزب الله وخرج جنرالات البنتاغون بعد الحرب بأشهر قليلة يوثقون خسارة استراتيجية كبرى بالإقرار لحزب الله بالقدرة على امتلاك التكنولوجيا والخبرات القتالية وباعتماد استراتيجية ناجحة في مجابهة جيش حديث ضخم ومجهز يمتلك أسلحة متطورة هي احدث ما انتجته معامل السلاح الأميركية.
ثانيا منذ تلك الحرب تتوالى الوقائع التي تؤكد ان انتصار حزب الله كان انتصارا حاسماعلى الولايات المتحدة وحلف الناتو ومجموعة الحكومات العميلة في المنطقة دفعة واحدة فقد شاركت جميعا في العمليات الاستخباراتية واللوجستية وساهمت بكل ما لديها من قدرات استخباراتية وإعلامية في محاولة القضاء على المقاومة اللبنانية والتطورات الجارية على الأرض ما برحت ترسخ تلك الصورة وتعززها أكثر بفضل نجاح المقاومة وتحولها إلى محور إقليمي يكبل الإمبراطورية وقاعدتها العسكرية المتقدمة بمعادلات الردع.
لم تفلح طيلة أربعة عشر عاما جميع المحاولات في قلب الصورة التي تعززت اكثر فأكثر والواضح اليوم ان هواجس واشنطن وتل أبيب تنصب على الذعر الكبير من قوة المقاومة المتعاظمة وعودة القوة العسكرية السورية إلى مسرح المنطقة بعد عشر سنوات من الاستنزاف في حرب تدمير فاشلة لم توفر وسيلة بينما تتوالى مؤشرات تطور القدرات الإيرانية والسورية في شراكة ثابتة يعززها التحالف والتعاون مع كل من روسيا والصين.
ثالثا يستكمل المحور المناهض للهيمنة الاستعمارية الأميركية صورة التحول الثوري في العالم على صعيد تكنولوجيا الاتصالات والبحوث الطبية مؤكدا تقدمه في المجالات العلمية والتكنولوجية والطبية وبالتالي أفول خرافة التفوق الأميركي الحاسم التي سيطرت على العالم بعد الحرب الكونية الثانية وفي اعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي.
فقد شكل إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تسجيل أول لقاح ضد كورونا بينما أفادت التقارير الصحافية عن اجتياز لقاح صيني مشابه الاختبارات بنجاح وما يزال دونالد ترامب تائها يطلب حجز كميات من اللقاح للولايات المتحدة فيتلاشى بخار التميز الأميركي وهو يخشى ان يجد نفسه يعلن في عز حملته الانتخابية عن “إنجاز” الحصول على لقاحات للأميركيين من موسكو و بكين بينما يعيش في حيرة القتال الشرس لمحاولة الثأر من تطبيق تيك توك الصيني الذي جذب ثمانين مليون اميركي خلال أشهر قليلة وحيث الصداع الأميركي الموجع من انهيار خرافة التفوق التقني والعلمي وتصدع ركائز الإمبراطورية التي تحكم العالم.
رابعا شكلت الإعلانات المتلاحقة للرئيس فلاديمير بوتين خلال الأعوام القليلة الماضية عن إنجازات الصناعات العسكرية الروسية المتفوقة صفعة مدوية للغرب في جميع المجالات وهي تخطف لموسكو مكانة متقدمة في السباق التكنولوجي وامتلاك القدرات الدفاعية والهجومية المتطورة ولاسيما في مجال الترسانة الفرط صوتية وأسلحة الصواريخ بعيدة المدى التي تقلب التوازن العالمي رأسا على عقب بينما يعيش حلف الناتو والكيان الصهيوني في قلق التحدي النوعي الذي تفرضه القدرات العسكرية الإيرانية المتنامية وثبات التعاون السوري الإيراني وتداعياته في الشرق العربي عبر تعاظم قدرات المقاومة كظاهرة إقليمية طاغية من باب المندب إلى رأس الناقورة امتدادا حتى الساحل والداخل السوري.
مؤشرات التغير العالمي حضاريا تشير إلى تقهقر الغرب بقيادة الإمبراطورية الأميركية وصعود قوى الشرق المؤهلة علميا وتكنولوجيا وعسكريا لانتزاع مكانة متقدمة تضعها في مواقع الريادة وهي تنطوي في نسيجها الحضاري والثقافي والاقتصادي على ملامح تماثل وتكامل تؤهلها حضاريا لقصب السبق الكوني.