السعوديّة خارج التسوية التي تفاوض عليها فرنسا؟: ناصر قنديل
– مجموعة من الإشارات المتقاطعة باتت واضحة لجهة المضمون السياسي لحركة الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون، القائمة وفق ما بات معلناً في فرنسا على الدعوة لإعادة النظر بإدارة الظهر الغربيّة للأزمة اللبنانية واعتماد سياسة العقوبات تعبيراً عن التوجه الذي قادته واشنطن لأكثر من سنة تحت عنوان الضغط حتى يختنق حزب الله ويتراجع أمام الطلبات الأميركية، وصارت تصريحات قصر الإليزيه متداولة لجهة اعتبار هذه السياسة الأميركية تسليماً بانتقال لبنان تدريجياً إلى سيطرة حزب الله وإلى حضن دولي إقليمي يبدأ بإيران وينتهي بروسيا والصين، وأن حساسية موقع لبنان في المتوسط والمنطقة تفرض اعتماد سياسة الاحتواء لا القطيعة، بما في ذلك الانفتاح على حزب الله لإعادة العمل بتسوية سياسية داخلية تقوم على مشاركة الجميع بحكومة تنهض بسياسات اقتصادية ومالية إنقاذية وتؤجل القضايا الخلافية، وعلى رأسها مصير سلاح حزب الله ودوره، الذي تعتبره واشنطن عنواناً لحملتها العقابية بحق لبنان.
– الأكيد أن الرئيس الفرنسي نجح بتحقيق اختراق للجدار الأميركي الذي بدأ يتداعى قبل انفجار مرفأ بيروت، عندما أعلن وزير خارجية أميركا مايك بومبيو رداً على دعوة السيد حسن نصرالله للتوجه شرقاً، إلى مساعدة لبنان وعدم تركه، وجاء الانفجار الذي دمّر أحياء رئيسية في بيروت ليمنح الرئيس الفرنسي قوة دفع للدعوة للاستثمار المالي والاقتصادي في لبنان، منعاً لخسارته وخسارة الكثير بسببه، وجاء حضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومضمون الكلمة التي ألقاها في المؤتمر، متجاهلاً أي طلبات خاصة حول حزب الله، تعبيراً عن شبه تفويض أميركي لفرنسا، فيما كانت الصورة الجامعة للطاولة التي ضمت الأطراف اللبنانية الرئيسية مع ماكرون لتقدم نموذجاً عن الحكومة التي تسعى إليها فرنسا، حيث بدلاً من الحظر على حزب الله ظهرت المعاملة المميّزة.
– تزامنت مساعي ماكرون اللبنانية مع مناخ إقليميّ يرتبط بالعقوبات الأميركية على إيران، أوحى بأن هناك ملامح تفاهم مؤقت يسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية، يؤسس لتفاهم أعمق يليها، وأن حركة فرنسا على الجبهة الأميركية الإيرانية كانت أساساً للحركة الفرنسية على الملف اللبناني، فقد كان لافتاً ما أعلنته إيران عن تحرير بعض الأموال من العقوبات بمساعٍ ألمانية بريطانية مع أميركا، وبالتوازي عن مبادلات تجارية بقيمة مليارات من الدولارات الإيرانيّة المجمّدة في كوريا الجنوبية، وهو ما لا يمكن أن يتم من دون موافقة أميركية، وليس خافياً أن العرض الأميركي حول سورية الداعي لمقايضة الانسحاب الأميركي بانسحاب إيران وحزب الله تحت شعار العودة إلى ما قبل 2011، وفقاً لكلام المبعوث الأميركي جيمس جيفري، والذي تزامن مع العرض الموازي حول لبنان بقبول حزب الله بترسيم الحدود البحرية وفقاً للخط الأميركي الذي اقترحه الموفد فريديريك هوف، وفقاً لكلام معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر، قد طوتهما الأحداث ويأتي الدبلوماسي الأميركي ديفيد هيل إلى بيروت ليحمل عروضاً بديلة، تكثر المؤشرات حول اقترابها مما يمكن لحزب الله القبول به، بينما يجمّد حزب الله رده على العملية الإسرائيلية التي لا يزال متأهباً للردّ عليها، بينما تحبس الأنفاس في المنطقة خشية أن يشكل الردّ مدخلاً لتصعيد يخرج عن السيطرة.
– يبدو الموقف السعودي يغرد خارج السرب الأميركي الفرنسي، فالكلام الذي قاله وزير الخارجية السعودية في المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي، جاء تصعيدياً بوجه الدعوة للانفتاح على خطاب التسوية وما فيه من تجاوز للعداء مع حزب الله، فأعاد ربط استقرار لبنان بالمواجهة مع حزب الله، وبات واضحاً للفرنسيين أن النجاح في مسعاهم بات وقفاً على تذليل العقدة السعودية، التي تظهر لبنانياً بتردد الرئيس سعد الحريري في السير بخط التوافق، وبتمسك حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وما تبقى من قوى الرابع عشر من آذار بلغة المواجهة بدلاً من لغة التسوية التي يحرص عليها الفرنسيون، ولم يجدوا ممانعة فيها من حزب الله ورئيسي الجمهورية ومجلس النواب.