لا مجال لتجاهل الحاجة إلى سورية
غالب قنديل
تفضل بعض الأطراف السياسية اللبنانية ان تسلم بالخيار الصيني وبأي خيار شرقي آخر مقابل الاستمرار في سد الطرق إلى سورية وإدارة الظهر للشقيقة الجارة التي كانت القطيعة معها في جميع المراحل السابقة عنوان اختناق وضيق شديدين عانى منهما لبنان.
أولا أثارت بعض التسريبات الغربية حملة من التهويل ضد أي توجه لبناني رسمي لإحياء التواصل مع السلطات السورية وهي تخفي خشية عميقة من احتمال إحياء اتفاقات ثنائية عديدة جرى تعليقها بقوة الأمر الواقع منذ الانقلاب السياسي الكبير الذي جرى في لبنان بل إن الوقائع تقول إن العديد من تلك الاتفاقات لم يفعل طوال في مرحلة التواجد السوري العسكري في لبنان والحقيقة أن علاقات البلدين كانت منذ اتفاق الطائف أبعد ما تكون عن مفهوم الشراكة الاقتصادية بين الدول المتجاورة وهو ما تحمل مسؤوليته الحكومات والجهات اللبنانية والسورية التي تولت الإشراف على ملف التعاون بين البلدين وبعضها صب اهتمامه على منافع هامشية ومصالح أطلق عليها الرئيس بشار الأسد توصيف تلازم الفسادين في استعارة لتعبير تلازم المسارين الذي استخدم في مرحلة التفاوض مع العدو الصهيوني بعد مؤتمر مدريد وينبغي القول إن جميع الجهات اللبنانية كانت مسؤولة عن تفويت فرصة ذهبية لبناء شراكة اقتصادية صلبة وتشبيك شامل ومنتج في العديد من المجالات التي كانت وما تزال تنطوي على إمكانات ضخمة وفرص هائلة لو فتحت أبواب التكامل الاقتصادي بين البلدين.
ثانيا الفرص الجدية التي تفتح اليوم من خلال بدء التفاوض الحكومي مع العراق والصين وعبر العرض الإيراني سوف تلزم لبنان بالتفاوض مع سورية وهو قدر الجغرافية القاهر بحيث ان استجرار النفط إلى لبنان سيقتضي الحصول على تسهيلات الترانزيت السوري وربما يفرض مرور النفط الخام إلى المصافي السورية لتامين حاجات لبنان من المشتقات النفطية بسبب خراب مصفاتي طرابلس والزهراني وحتى خيار تشغيل أنبوب النفط العراقي الواصل إلى طرابلس يتطلب تفعيل اتفاقات سابقة ثلاثية كانت فيها سورية طرفا مباشرا لأن الأنبوب يجتاز أراضيها ويتفرع منه خط واصل إلى الساحل السوري واستجرار المشتقات باتفاقات حكومية لبنانية مع العراق أو إيران أو الكويت هو البديل الأفضل من شراء المشتقات بواسطة الشركات التي تتحكم بالسوق اللبناني وفي التفاوض العراقي اللبناني طرحت فكرة المبادلة بمنتجات صناعية وزراعية لبنانية وهذا يطرح مرة أخرى الحاجة إلى الاتفاق مع سورية لتسهيل الصادرات التي سيكون وصولها إلى الأسواق العراقية بشروط مناسبة مرهونا بتفاهم لبناني سوري.
ثالثا يتركز جانب كبير من الضغوط الأميركية والغربية على لبنان في اعتراض التعاون اللبناني السوري المحتمل في تنظيم عودة النازحين السوريين إلى بلادهم بعد نجاح الدولة الوطنية السورية في استعادة السيطرة على معظم الأراضي السورية بينما تنطوي بعض الطروحات على دعوة مبطنة لتوطينهم في لبنان وهو ما يثير الكثير من الهواجس اللبنانية والغريب ان مدعي الهاجس الكياني يقفون في صف المعترضين على خيار التواصل اللبناني السوري تماشيا مع المشيئة الأميركية رغم كل التباكي على كلفة النزوح الاقتصادية والمالية التي يتحملها لبنان بينما هذا الفريق اللبناني ذاته وهو يضم جهات سياسية متعددة قد التهم الحصة الرئيسية من مليارات المساعدة الغربية التي تقول البيانات الفرنسية والأميركية انها قدمت إلى الحكومة اللبنانية وجهات اخرى غير حكومية مرتبطة بالغرب تحت عنوان إغاثة النازحين ورغم خطابات مكافحة الفساد لم ترد أي مطالبة جدية بفتح تحقيق في اموال تلك المساعدات حماية للجمعيات الوهمية التي أقامتها بعض الزعامات منذ انطلاق العدوان على سورية ولصناديقها المثقوبة.
رابعا تثبت الوقائع العملية ان بين لبنان وسورية مجالات رحبة قابلة للشراكة والتعاون والتي يمكن ان يجني منها لبنان عائدات كثيرة ممكنة ومتاحة في الصناعة والزراعة وفي الطاقة الكهربائية والنفطية والمائية كما في السياحة وليس صحيحا ان واقع المعاناة في البلدين يجعل العمل على استكشاف هذه المجالات والتطلع إلى استثمارها عملا بلا جدوى فظروف المعاناة ادعى للتفتيش عن المصالح المشتركة ووحدة الجهود وتكامل الخبرات والإمكانات والمطلوب هو التحرر من عقد الماضي ومركباته المعطلة لأي تفكير جديد.
المصالح اللبنانية القريبة والبعيدة تفرض واجب التوجه إلى دمشق وفتح ملفات العلاقات الثنائية والتعاون المثمر في كل مجال ممكن وتقديم المصالح العليا على مسايرة اجندات السياسة الغربية التي بينت التجارب تاريخيا انها تبنى دائما في الشرق العربي على اولوية المصالح الصهيونية.
يستحق السؤال بالمناسبة عن دعاة المشاريع الوطنية والقومية الذين لا يسمع لهم صوت أبدا في هذا الموضوع الذي يتخذ قيمة مصيرية اكثر من أي وقت مضى بينما هم تائهون في بطالة فكرية وسياسية تأخذهم بعض التفاصيل اليومية والذاتية بعيدا عن القضايا المركزية لعملية التحرر الوطني وفي مقدمتها قضية التشبيك القومي.