اليسار بانتظار غانتس: طال ليئور
اكتب هذه السطور بقلب ثقيل وانطلاقا من خيبة أمل مريرة، ولكن بعينين مفتوحتين على مصراعيهما وكنتيجة واضحة لنتائج الانتخابات. ودون الاستخفاف بالاخطاء الكثيرة التي ارتكبت في اثناء حملة المعسكر الصهيوني والكثير قبله، ثبت في 18 اذار مرة اخرى، لشدة الاسف، بانه في الواقع القائم اليوم في الشرق الاوسط، فان الجمهور الاسرائيلي بعمومه ليس ناضجا لزعيم يساري ليس ذا ماض عسكري ـ امني صرف.
لا جديد تحت الشمس الصهيونية. فالمجتمع الاسرائيلي يعجب بالاستراتيجيين العسكريين. وبينما تقوم رواية اليمين في جوهرها على اساس القومية والامن، ولهذا فثمة اهمية ثانوية للخلفية العسكرية لمن يقف على رأسه، في اليسار ـ الذي يقوم موقفه على اساس القيم الكونية وبقدر أقل على المفاهيم الكفاحية ـ فان للامر معنى كبير.
في الحملتين الانتخابيتين الاخيرتين نصب حزب العمل على رأسه امرأة ورجل كفؤين كل واحد وواحدة بطريقته/ها ـ شيلي يحيموفيتش واسحق هرتسوغ مما ليسا ذوا خلفية عسكرية ـ امنية صرفة. يحيموفيتش، صحافية في ماضيها، هي نائبة ذات فكر اجتماعي ـ ديمقراطي، وهرتسوغ هو محامي وسياسي مجرب. اما النتائج البشعة فمعروفة للجميع.
فوز تسيبي لفني كرئيسة كديما في انتخابات 2009 بـ 28 مقعدا ـ بمقعد واحد فقط اكثر مما حصل عليه الليكود ـ منح اليسار ـ الوسط أملا لحظيا، ولكن كتلة اليمين كانت أقوى وذلك حتى عندما لم يكن كديما يصف نفسه كحزب يساري، بل كحزب وسط براغماتي.
تكتب هذه الامور بحزن، أن يكون للنساء زعامة ـ ولاسباب عديدة ومتنوعة ليس لهن تقريبا قدرة على جمع التجربة الامنية الواسعة مثلما للرجال ـ فان لهذا ميزات عديدة. فالمجتمع الاسرائيلي هو مجتمع يعاني من مظاهر ما بعد الصدمة.
الخوف ووعي البقاء لديه يشكلان منذ الازل ارضية خصبة لتنمية مخاوف وجودية من جانب زعماء اليمين. واذا ما استعرنا تعبيرا دارجا من مجال علم النفس وعلاج الازواج ـ فان اسرائيل لا تزال «غير ناضجة عاطفيا» لزعامة لا تجلب معها سندات من المجال الامني. ومهما كان هذا محزنا ـ الا انه كذلك.
من أجل اقناع المقترعين ممن لا ينتمون مسبقا لكتلة اليسار ـ الوسط في التصويت في صالح القيم والسياسات التي يمثلها اليسار، يجب تغليف هذه القيم بغلاف امني محترم. هكذا كان في حالة اسحق رابين، في انتخابات 1992، وهكذا ايضا كان في حالة ايهود باراك في انتخابات 1999.
لقد اشرف على الانتخابات الحالية من مقعد الاحتياط عدة لاعبين محتملين في الملعب السياسي، يستجيبون للمطالب التي عددناها اعلاه: رئيس الاركان المسرح بيني غانتس، رئيس المخابرات السابق يوفال ديسكن ورئيس الاركان الاسبق غابي اشكنازي. رئيس الموساد الاسبق مئير داغان صرح أمام الملأ انه ليس لديه الان تطلعات سياسية. وسنضطر إلى تصديقه. ويأمر القانون الاسرائيلي بفترة تجميد لثلاث سنوات، تنطبق على من أنهى منصبا رفيع المستوى في جهاز الامن وعني بان يتنافس في الكنيست. في حينه كانت محاولة لتقصير هذه الفترة لسنة واحدة ـ او ما سمي في حينه «قانون اشكنازي» وكان يستهدف تقريب موعد دخول رئيس الاركان الاسبق إلى الكنيست مباشرة إلى اذرع حزب العمل. وينتظر اشكنازي اليوم انتهاء قضية هيرباز الذي كان مشاركا فيها، وقد خضع في اطارها للتحقيق تحت طائلة التحذير، ومشكوك فيه أن يسارع في الانضمام إلى السياسة.
ومقارنة به، يدير رئيس المخابرات السابق يوفال ديسكن علاقات «الحب ـ الكراهبة» مع الساحة السياسية منذ اعتزل الخدمة في العام 2011. وفي حملة الانتخابات الاخيرة أكثر ديسكن من مهاجمة نتنياهو وأعرب عن مواقف سياسية يسارية واضحة. ولكنه أعلن بانه لا يعتزم حاليا القفز إلى المياه السياسية. هناك من يدعي بانه لو كانوا غازلون، لاستجاب. وعلى اي حال، مرت أربع سنوات منذ اعتزل، ويبدو ان لحظته المناسبة آخذة في الاقتراب.
غانتس اعتزل لتوه، ولكنه ملزم بالانتظار ثلاث سنوات من التجميد، ولكن هذه فترة زمنية معقولة لغرض تهيئة التربة والقلوب حتى الانتخابات التالية. غانتس، رئيس اركان شقائق النعمان، يعتبره الجمهور رجلا معتدلا، مرتاحا ومسؤولا.
مقبولا من فئات عديدة من السكان. رجلا يمكن ان يوضع على رأسه اضافة إلى التيجان الامنية، تيجان الانسانية والمبالاة الاجتماعية.
ومع ذلك فان غانتس أزرق العينين وجميل الطلعة، يعاني ظاهرا من صورة الزعامة الرقيقة التي لا تبث ردعا وصلابة، المزايا التي يبحث الجمهور الاسرائيلي عنها لدى زعيمه مثلما تبين الان مرة اخرى.
صحيح أننا لم نسمع من المواطن غانتس اي تصريح سياسي منذ نزع بزته، ولكنه لن يكون تخمينا غير مسنود اذا افترضنا بان الرجل الذي تربى على قيم حركة القرى الزراعية يمكنه ان يجد مكانه في حزب العمل.
مهما يكن من أمر، يبدو أن غانتس وديسكن على حد سواء هما ذخر ها لمعسكر اليسار، وينبغي التوقع والامل بان يتمكن مهندسو هذا المعسكر ان يسارعا إلى ادخالهما في التحدي المستقبلي لتغيير الحكم في اسرائيل في الانتخابات القادمة.
هآرتس