التعيينات والحكومة بما لها وما عليها
غالب قنديل
تثار ضجة صاخبة حول التعيينات التي أصدرتها الحكومة وقد وصل البعض إلى استخدام تعابير ومبالغات تحريضية في وصف ماجرى ولدوافع مختلفة.
اولا تبين العودة إلى السير الذاتية ان من شملتهم التعيينات يملكون كفاءات علمية وخبرات عملية في مواضيع الاختصاص الإداري التي اختيروا لها وتنفي الوقائع بعض الاختراعات المقصودة لتشويه الصورة فمدير عام وزارة الاقتصاد الجديد مثلا يعمل مع الوزارة من سنوات وفي مجال العلاقة بمؤسسات دولية وهويحوز شهادات عليا في المالية والاقتصاد وقد تعرض لمحاولات إساءة وتشويه بهدف النيل من المرجعية السياسية التي رشحته وسائر الأسماء التي شملها التعيين هي نظريا وعمليا مؤهلة لتولي المناصب التي اختيرت لها وبالتالي تبين بعد التدقيق ان زوبعة أثيرت في فنجان إعلامي واستباقيا لأهداف سياسية محورها ضرب المصداقية.
ثانيا لم يتعهد رئيس الحكومة ولا بيانها الوزاري باكثر من الحرص على مستوى الكفاءة العلمية والمهنية لمن سيعينون في الإدارات العامة وتخيل او افتراض ان التعيينات سوف تحرر من القيد الطائفي او السياسي لتوزيع مناصب الفئة الأولى من الإدارة العامة هومجرد افتراض او رغبة يسقطها البعض على الحكومة ويريدون منها ان تحملهاخلافا للمنطق الفعلي للنظام القائم في البلد ولمعادلاته فهذه الحكومة ليست جهاز انقلاب او ثورة مع احترامنا لجميع الواهمين والحالمين الذي يفترضون ذلك وكذلك مع تقديرنا لطموح بعض الوزراء بان ترقى الحكومة إلى مثل هذا الالتزام ولكنهم يتجاهلون ان الثورة التي يتحدثون عنها وباسمها احيانا لم تطرح برنامحا ولا خطة عمل فحركات 17 تشرين لم تدع إلى إلغاء طائفية الوظيفة والحكومة لم تتعهد بذلك وبالتالي فلا أساس سياسيا او دستوريا لإلغاء ما يدعى بالمحاصة الطائفية.
ثالثا ما من سلطة تنفيذية في العالم لا تستنسب اختيار قادة الإدارة العامة التي تدير الشأن العام من خلالها وهذه طبيعة الأمور في جميع الأنظمة والدول ففي الولايات المتحدة التي يعيش نظامها السياسي ازمة عميقة ويفترض كثيرون انه ما زال مثالا يحتذى يجري فيها مع كل رئيس جديد تغيير واستبدال عشرات آلاف الموظفين على أساس سياسي وحزبي وديني وعرقي أحيانا في مختلف مفاصل الإدارات والمؤسسات وهكذا الحال في سائر الدول الغربية وغيرها فأين الغرابة إذن ؟ اما عن بعض الخلافات التي ظهرت وتغيب وزيري تيار المردة فهذا امر طبيعي ولا حق لأي كان في إنكار حق هذه القوة المشاركة في الحكومة بالمطالبة بحصتها في الاقتراح والتسمية أسوة بالآخرين الذي شاركوا في الترشيح والتسمية لملء الشواغر من محازبيهم.
رابعا إن الهجائيات التي ترددت بعد التعيينات هي في غير محلها وخصوصا ما تركز منها ضد الرئيس حسان دياب فالطبيعي ان يتصرف رئيس الحكومة كشريك في الاختيار بالحرص على ترشيح وتعيين بعض المقربين كما يفعل سائر الشركاء وهذا لن ينتهي مالم توضع موضع التنفيذ آليات تعيين جديدة بعد اتخاذ قرار ربما يتطلب صدور قانون دستوري يحرك تطبيق البنود المعلقة من اتفاق الطائف وتنفيذ مواد الدستور المتصلة بآلية إلغاءالطائفية السياسية التي علقت منذ التسعينيات بفعل شاركت فيها سائر القوى السياسية الشريكة والمتعاقبة في النظام فإلغاء طائفية الوظيفة أواشتراط المباريات كمدخل حصري إلى الوظائف العامة ما دون الفئة الاولى ما زال بندا معطلا بتواطؤ سياسي جماعي وهومدخل التغيير التحديثي والإصلاحي للإدارة اللبنانية وباب هام من أبواب خفض منسوب الفساد الإداري.
خامسا يمكن لهذه التعيينات ان تتيح للحكومة اتخاذ خطوات جدية في طريق احتواء الإنهيار والحد من نتائجه وانعكاساته الاقتصادية والمالية عبر اكتمال هيكل قيادة القطاع المصرفي والمالي بإحياء المجلس المركزي لمصرف لبنان الذي آلت صلاحياته كمؤسسة بحكم الشغور إلى موقع الحاكمية بمفرده خلال السنوات الماضية وحيث أن المشكلة المالية والمصرفية هي أحدأخطر وجوه المأزق الحالي فلا بد من التمهل لانتظار النتائج العملية للتعيينات التي أقرت دون توقع المعجزات والحقيقة أن مسالتين رئيسيتين تغيبان عن جداول الاهتمام السياسي والحكومي يستحيل دونهما تدارك الانزلاق إلى هوة أشد عمقا وهولا وهما التصدي للحصار الأميركي المتزايد وللتهويل بفرض مزيد من العقوبات على لبنان واعتبار ذلك عدوانا على السيادة وتحرر الحكومة من نوبات الفزع والهلع أمام التهويل الأميركي لمنع انفتاحها على البدائل الشرقية انطلاقا من سورية وفيها الترياق ضد الانهيار وضد الحصار.