أوهام القيادة السعودية في المغامرة اليمنية د.منذر سليمان
تتكشف في اروقة واشنطن معلومات تفيد ان العدوان السعودي على اليمن طرحته السعودية مع الاميركيين منذ شهور ولكن العمل على بلورة الخطط الطارئة للتدخل جرت في الاسابيع الاخيرة بالتشاور مع الاميركيين ومع دول اقليمية اعلنت الرياض عن مشاركتها بالتحالف الذي تقوده، لا سيما زج قوات باكستانية برية في اليمن؛ وتم تفعيلها على وجه السرعة بعد التحولات الميدانية التي تنذر باندحار القوى المحلية التي راهنت عليها بتعزيز سلطة الرئيس اليمني العائد عن استقالته بعد هروبه الى عدن .
اليمن، في قراءة السعودية وحلفائها، كان في طريقه ليصبح ركنا محوريا في الصراع ضد “اسرائيل،” بعد انكفاء نظام الاخوان المسلمين في الخرطوم ووقف توفيره التسهيلات اللوجستية لامكانيات الصمود المتجهة الى فلسطين المحتلة عبر البحر الاحمر. المعلقون “الاسرائيليون” البارزون حذروا قادة الكيان بانه ينبغي عليهم “القلق من الاحداث في اليمن .. السعودية تخسر وايران تربح.” صحيفة “اسرائيل اليوم” كانت اشد وضوحا بالقول ان “وحدات كوماندو باكستانية تم تجنيدها لدعم السعوديين .. من كان يخطر بباله ان مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية سيكون تحت سيطرة ايرانية؟” اما صحيفة “تايمز اوف اسرائيل،” فقد حملت واشنطن مسؤولية الاحداث محذرة من ان “نتائج العملية العسكرية السعودية قد لا تكون حاسمة، لكن الاحباط (لدى) السعودية والاردن ومصر .. ليس موجها نحو ايران، بل نحو واشنطن” بالدرجة الاولى.
المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت احرونوت،” اليكس فيشمان قال بصريح العبارة ان حرب السعودية على اليمن “تصب في مصلحة اسرائيل .. وهناك مصلحة مشتركة لاسرائيل والسعودية ودول الخليج، وهي فرصة لقطف ثمار استراتيجية حيوية لأمن” الكيان. واضاف ان السعودية “استعدت لمواجهة الحوثيين على مدى اسابيع، وحشدت قوات بحرية وبرية على طول الحدود مع اليمن .. بالتنسيق مع الاميركيين.”
لجوء السعودية الى التورط والتدخل العسكري في اليمن يشكل خروجا عن نهجها التقليدي بالتدخل بالقوة الناعمة او من خلف الكواليس على مستوى المنطقة مستخدمة فائضها المالي من الثروة النفطية. وحرصت الاسرة الحاكمة تقليديا الاعتماد على الولايات المتحدة والدول الاقليمية في تأمين ما تعتبره تهديدا لأمنها، واضحى الارتزاق الامني وسيلتها في توسل الامن وصولا الى استقدام قوات باكستانية وغيرها تتمركز بصورة دائمة في اراضيها عدا عن القوات الاميركية والغربية.
ولا بد من التساؤل عن الوضع الجديد الذي فرض اتخاذ المملكة السعودية دورا إقليميا أكثر حزما، او الاصح مغامرا، لتعويض ما تعتبره تراجعا في الدور الأمريكي وانكفاءا عن الانخراط المباشر بقواتها في المنطقة بعد تجربتي غزو افغانستان والعراق، وعدم استجابتها لدعوات وتوسلات حلفائها بما فيها السعودية للتدخل العسكري لاسقاط النظام في سوريا.
ان اضطرار السعودية للاقدام على هذه الخطوة غير المسبوقة يعني الامور التالية:
تعتبر القيادة السعودية انها تقدم على عمل وقائي استباقي للحيلولة دون فقدان سيطرتها او نفوذها المعتاد في الشأن اليمني واجهاض اي امكانية او احتمال ان تصبح اليمن دولة مستقلة الموقف والقرار بعيدا عن الرغبة السعودية، خاصة ان القوى التي يتعزز دورها وموقعها في الداخل اليمني مثل الحوثيين وحلفائهم يعبرون عن مواقف وتوجهات متناقضة مع السياسات والتوجهات السعودية والغربية.
تيقّن القيادة السعودية انها لن تستطيع ضمان الاعتماد على تدخل اميركي اوغربي لحماية بقائها في السلطة في حال تعرضها لتحديات داخلية او خارجية تهدد قبضتها على السلطة، ولتخفيف مثل هذه الاحتمالات لا بد من منع قيام اي حكم في بلد مجاور وخاصة مثل اليمن يكون خارجا عن ارادتها او الولاء لها.
رغم نجاح السعودية في السنوات الاخيرة خاصة في استخدام ثروتها واعلامها وادواتها في تأجيج النعرات المذهبية السنية – الشيعية والتحريض على استبدال الصراع التاريخي العربي – الصهيوني بصراع مفتعل ايراني – عربي الا انها فشلت في مجمل سياساتها الاقليمية المراهنة على الاحتقان المذهبي على المستوى الاقليمي وخاصة في المسرح السوري العراقي، لا بل ان تغذيتها لهذه النعرات بدأت بالارتداد عليها بعد تحول داعش الى تهديد محدق بها.
أن تضطر القيادة السعودية الى تشكيل حلف علني ملون مذهبيا بذريعة الخطر الايراني المتنامي والذي وصل الى اليمن وفق حساباتها، يعني انها تستجمع الطلقة الاخيرة لديها في محاولة شبه يائسة لانقاذ مكانتها وهيبتها وسياساتها الفاشلة، وتخوض مغامرة خطيرة قد تنقل الصراع ولاول مرة لاراضيها، ولن تكون بمنأى عن الدخول في حرب استنزاف مكلفة مع اليمن .
لن تستطيع القيادة السعودية التخفيف او الغاء مفاعيل الاثار المعنوية والمادية لتعزيز مكانة ايران الاقليمية وحلفائها في معسكر المقاومة على المستوى الاقليمي في حال نجاح المفاوضات حول الملف النووي الايراني، والذي يبدو وشيكا، ولا شك ان مثل هذا التطور في حال حدوثه سيرسل اشارات تعزز من موقف القوى المناهضة للعدوان السعودي في اليمن.
يبدو هاجس السعودية بان تتصدى لتبوأ دور قيادي اقليمي عبر حربها في اليمن طالما حاولت اقتناصه برشواتها المالية وباحتضانها للمقدسات الدينية، خاصة في ظل تعقيدات تواجهها دول اقليمية منافسة مثل مصر وتركيا لن يتحقق لها بالسهولة التي تراهن عليها، وستكتشف ان غياب قوى ميدانية يمنية فاعلة تستند اليها مضافا الى عدم استعداد دول الحلف التسعة المنضوية معها حاليا للتورط بقوات برية وازنة للتدخل في اليمن، مضافا الى عجزها عن استخدام قواتها البرية بشكل فاعل ومستدام، سيدخلها في مأزق حقيقي يفرض عليها التراجع في نهاية الامر.
من اشد الامور مفارقة موقف سلطة الحكم الذاتي في رام الله التي سارعت للاعلان عن دعمها للعدوان السعودي بحجة “ضمان وحدة اراضي اليمن ودعم الشرعية.” واضاف الناطق باسم “الرئاسة،” نبيل ابو ردينة ان “عاصفة الحزم .. ادخلت الشرق الاوسط في مرحلة جديدة وحاسمة عنوانها اصطفاف عربي قومي يعيد الحياة الى شعوب المنطقة.” بالمقارنة، تنظيم القاعدة الارهابي في اليمن رفض التدخل الخارجي، وكذلك فعلت “داعش” خشية نفوق “جهادييها” على ايدي داعميها ومموليها.
اميركا والقيادة من الخلف في العدوان السعودي على اليمن
كي لا تتهم ادارة اوباما من خصومها المحليين وحلفائها الاقليميين بانها تولي الادبار في اليمن بعد نقل طواقمها الدبلوماسية من اليمن وسحب قواتها الخاصة من القواعد التي كانت تشغلها وجدت ضالتها بدعم التدخل العسكري السعودي خاصة وان القيادة السعودية ما فتئت منذ شهور تلح على الولايات المتحدة كي تنخرط في عمل عسكري مشترك في اليمن لتثبيت سلطة مطواعة للرياض في صنعاء. وبعد أن قدمت القيادة السعودية خطة تعتمد على ضمان تشكيل حلف من دول عربية بالاضافة الى باكستان يعفي الولايات المتحدة من اعباء الانخراط المباشر بقواتها، وافقت ادارة اوباما على تقديم المعونة اللوجستية والاستخباراتية وتشكيل خلية تخطيط مشتركة فرزت 12 عضوا اميركيا لها في الرياض.
حسابات واشنطن تقضي بانها ترضي حليفا قلقا ومنزعجا من تلكؤ واشنطن عن اعتماد سياسات اقليمية مطابقة لرغباته خاصة في ظل مخاوف سعودية من استمرار تفاوض واشنطن مع طهران حول الملف النووي، كما ان اندلاع حرب محدودة بالوكالة سيعزز المبيعات العسكرية الاميركية للسعودية ودول الحلف الجديد.
لكن موقف الادارة لم ينجو من الانتقادات الداخلية التي تعتبر ان واشنطن لا تحتل مركز الصدارة او القيادة في في معالجة الازمة اليمنية. واعتبر مسؤول بارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جون آلترمان، والمقرب من البيت الابيض، ان قرار الادارة بتوفير الدعم اللوجستي والاستخباراتي للسعودية “دون المشاركة الفعلية في الغارات الجوية يشير الى ابقاء باب الحوار مع الحوثيين مفتوحا بغية التوصل معهم الى صيغة ما لتسوية الازمة .. وفق شروط افضل لاحقا.”
ومن ابرز التعليقات ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان “لغز الأهداف والتحالفات الأمريكية في الشرق الأوسط” جاء فيه :
“رغم الصعوبات التي تواجهها بالفعل في التعامل مع الفوضى التي تخيم على معظم دول الشرق الأوسط، مضت الولايات المتحدة إلى التدخل في صراع جديد بالمنطقة. إذ تدعم إدارة باراك أوباما الحملة العسكرية التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن لهزيمة المتمردين الحوثيين المدعومين من طهران، رغم خطر تصاعد الصراع الإقليمي مع إيران. ولكن في العراق وسورية، تحارب الولايات المتحدة في صف إيران في المعركة ضد تنظيم داعش، حيث ساهمت بضربات جوية في الهجوم المدعوم من إيران على مدينة تكريت العراقية يوم الخميس رغم دخولها في منافسة مع إيران على قيادة العملية هناك. وفي غضون ذلك، تتسابق إدارة أوباما نحو إبرام اتفاق مع إيران لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها في مقابل وضع قيود على برنامجها النووي، وهو ما يثير قلق كل من السعودية وإسرائيل”. ويشير التحليل إلى أن “الإدارة الأمريكية تحاول جاهدة أن تحافظ على نسيج متشابك من التحالفات المتوترة وساحات القتال المتعددة بعد أربع سنوات من ثورات الربيع العربي. فقد تلاشت آمال الديمقراطية التي تحلت لفترة وجيزة بوضوح أخلاقي من كافة بقاع المنطقة، وحل محلها خيارات عصيبة بين أعداء وحلفاء غير مقبولين هرعوا لملء فراغ السلطة.” ويضيف “تندلع اشتباكات ومناوشات بين مجموعة من اللاعبين المحليين والقوى الإقليمية التي تتنافس من أجل صياغة الوضع الجديد في المنطقة، أو على الأقل الهيمنة على أكبر جزء منها.”
وينقل التحليل عن تمارا كوفمان ويتس، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية، قولها إن السياسات الراهنة لإدارة أوباما تعد بمثابة “لغز” يعكس افتقار الإدارة إلى سياسة متسقة، وأيضاً مدى تعقيد صراع السلطة الجاري على الأرض داخل المنطقة. وتضيف ويتس أن الفوضى تمنح الخصوم الإقليميين المزيد من الدوافع والميادين لخوض ذلك الصراع على السلطة. هذا وقد أثارت السرعة التي تطرأ بها الأحداث انتقادات بأن إدارة أوباما لا تملك إستراتيجية طويلة الأجل تجاه المنطقة.
خصوم الإدارة يعتقدون انها تخاطر باختيار وكلاء وحلفاء يخدمون مصلحتها بجعل حالة الفوضى أكثر تفاقماً، وربما تعزيز التنظيمات الإرهابية وتعميق فرص الانجرار إلى معارك لا يرغب الأمريكيون خوضها. ويشيرون إلى أن الإدارة كانت تشيد باليمن حتى وقت قريب وتصفه بنموذج على نجاح حملتها لمكافحة الإرهاب، ولكن سرعان ما انهارت الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في صنعاء وتوقفت الجهود ضد عناصر تنظيم القاعدة إلى أجل غير مسمى.
احد البارزين في مجموعة الأزمات الدولية، بيتر هارلينغ، يقول إن الإدارة تتحدث عن دعم التحولات السياسية نحو بناء الدولة في كل من اليمن وسورية والعراق وأماكن أخرى، ولكن تصرفاتها تساعد في الواقع على انهيار الحكومات المركزية هناك. فقد صعدت قوى محلية في كل هذه البلدان، مثل داعش أو حركة الحوثي، لملء فراغ السلطة والسيطرة على البلاد، ولكنها تفتقر إلى المصداقية والتمويل الكافي لتوحيد الشعب أو للحكم.
ولكن واشنطن، وفقاً لهارلينغ، أصرت في كل حالة على التمسك بأكذوبة أن القوى المحلية المفضلة بالنسبة لها ما تزال تملك فرصة قوية لإعادة بناء دولة موحدة. ويضيف إن القوى الغربية “تحتاج للتظاهر بأن الوضع ليس سيئاً حتى لا تضطر لتقبل الفشل وتحمل مسؤولية الموقف.” كما ان “الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين تثير مخاوف من نشوب حرب بالوكالة بين القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط. لكن من غير الواضح كيف، أو ما إذا، ستستجيب إيران بصورة مباشرة على حملة يقودها تحالف من الدول السنية ضد قوة مؤلفة من ميليشيات شيعية. ويلفت بعض خبراء الشرق الأوسط النظر الى أن “الحوثيين ليسوا مجرد دمى في يد طهران التي تجاهلت إلى حد كبير المعاناة التي عاشوها لسنوات في اليمن.”
على صعيد آخر أعلن مسؤولون أمريكيون الخميس، 26 آذار، أن الولايات المتحدة تدرس تزويد السعودية بطائرات رادار للإنذار المبكر وتوفير عمليات تزويد الطائرات الحربية بالوقود في الجو للمشاركة في عملية “عاصفة الحزم” التي أطلقتها الرياض ضد اليمن. وقال مسؤول في البنتاغون إن “هذا الأمر مطروح حتما على الطاولة وهو قيد الدرس؛” وذلك بعد إعلان البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما سمح بتقديم مساعدة لوجستية واستخباراتية في العمليات العسكرية التي تقودها السعودية. وحتى الآن، كلفت واشنطن 12 عسكريا اميركيا يشكلون خلية تنسيق مع الدول التي تقودها السعودية، وفق البنتاغون. وقال الكولونيل ستيفن وورين المتحدث باسم البنتاغون إن دور الاميركيين هو “أولا إبقاء خطوط التواصل مفتوحة بين الولايات المتحدة ودول الخليج”. واعلنت لاحقا مصادر البنتاغون ان القوات البحرية الاميركية استجابت لطلب سعودي بانقاذ طياريْن سعوديين من مياه خليج عدن بعد اسقاط طائرتهم إف-15 في المنطقة.
وكان قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط قد ذكر إن الجيش الأمريكي سيعمل مع شركاء خليجيين وأوروبيين لضمان بقاء مضيق باب المندب الاستراتيجي مفتوحا أمام حركة الملاحة التجارية رغم القتال وعدم الاستقرار في اليمن. وقال الجنرال لويد أوستن في جلسة لمجلس الشيوخ “سنعمل بالتنسيق مع الشركاء في مجلس التعاون الخليجي لضمان بقاء تلك المضائق مفتوحة،” مشيرا إلى مضيق باب المندب ومضيق هرمز. وأضاف “من مصالحنا الأساسية ان نضمن التدفق الحر للتجارة عبر هذين المضيقين.”
الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية ذكر ان وزير الخارجية جون كيري أثار موضوع اليمن، يوم 26 آذار، مع نظيره الإيراني قبل العودة إلى طاولة المفاوضات النووية في لوزان بسويسرا. وأضاف الناطق، جيف راتكي، أن كيري ناقش باقتضاب القتال في اليمن مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في اجتماع ثنائي لكن الموضوع ليس محور المحادثات التي تجري في لوزان وتدور حول البرنامج النووي الإيراني. وقال راتكي “الوزير كيري أثار باقتضاب اليمن مع نظيره الإيراني لكن دعوني أؤكد أن هذا الموضوع لم يكن وليس محور المحادثات.” في لوزان قال مسؤول رفيع في الوفد الاميركي المفاوض إن “الوضع في اليمن ليس له تأثير على المحادثات.”