عقدة حزب الله داخل الكيان الصهيوني
غالب قنديل
يوميا تتابع قناة المنار وإذاعة النور نقل الرصد الحي لتفاعلات الاندحار من لبنان داخل الكيان الصهيوني بمناسبة عيد المقاومة والتحرير وتنقل عن وسائل إعلام العدو بحرفية مهنية عالية اعترافات خطيرة لقادة سياسيين وعسكريين لعبوا أدورا مهمة في الكيان الصهيوني وفي هرمية جيش العدو منذ الاجتياح العسكري الكبير عام 1982 وتنطوي تلك الاعترافات على حقائق مهمة يهملها كثيرون وذلك لاينتقص من قيمتها النوعية.
اولا عندما يصدر التوصيف نفسه من جبهتين عدوتين لظاهرة معينة يعني ذلك ان الموصوف هو حقيقة لا تقبل الجدال ومسألة تفوق روح المقاومة التي تضمنتها كلمة للقائد عماد مغنية في سياق تعبئته لرفاقه المقاومين قبل سنوات طويلة عندما تتبدى وترد حرفيا في اعتراف قادة عسكريين صهاينة بالهزيمة والخسارة امام تلك “الروح ” المقاتلة التي ميزت المقاومين واكسبتهم طاقة الصمود كمدافعين وجسارة الاقتحام كمهاجمين … انها الروح المعنوية التي تتصل بمنظومة معتقدية وبمنطق القضية العادلة التي تستحق التضحية وبفكرة الانتماء الوطني وأخلاقيات تعظيم الشهادة وخلود الشهداء الذين يهبون كرامة مضاعفة لعائلاتهم ولأهلهم جميعا فقد جعل حزب الله الشهادة فعل تكريم مجتمعي يحفز سباقا بين اجيال الشباب إلى التضحية في الكفاح والإيمان بالنصر والحزب الذي تقدم قادته الصفوف واستشهد منهم كثيرون تساوت فيه بالشهادة عائلات المناضلين والأنصار بعائلات القادة هو حزب تلك الروح الجهادية وقيمها الراسخة التي صارت ثقافة جمهور عريض يتوسع على النقيض من حال الكيان الصهيوني الذي خارج منه قادة وزعماء خلال العشرين عاما الماضية يقرون بتفوق حزب الله ومدرسته في المقاومة على ثكنتهم المدججة حتى الأسنان بأحدث منتجات معامل السلاح والتكنولوجيا في حواضر الغرب الاستعماري.
ثانيا يسترجع الباحث في مظاهر وأصداء الفالق الزلزالي الذي مثله الاندحار الصهيوني من لبنان عام 2000 وبعده الانكسار الكبير عام 2006 كما وثقه تقرير فينوغراد أن الكيان الصهيوني يواجه صدمة نفسية ومعنوية شاملة مصحوبة بهذيان خطير وهو يشكو بجيشه ومؤسسته السياسية ونسيجه السكاني من متلازمة عقدة لبنان أو كما يقول باحثون صهاينة من عقدة حزب الله اللبناني وتعبير العقدة هو استعارة من تجربة الهزيمة الأميركية في فييتنام التي شكلت عنوانا لعقدة استراتيجية متأصلة حكمت السياسات الأميركية لعقود … وكما واجه المجتمع الأميركي معضلة معالجة آثار هزيمة فييتنام واهوالها على الجنود والضباط العائدين من “أرض الجحيم “يظهر في الكيان الصهيوني عارض الصدمات النفسية والعصبية على آلاف الجنود والضباط الصهاينة الذين عادوا من “وادي الدموع” وبعد عشرين عاما من الهزيمة التاريخية يتلاقى اهل العسكريين الضحايا للمطالبة بإنشاء مؤسسة ترعاهم وتعالجهم ويشكون الإهمال والجحود الذي تبديه مؤسسات الكيان الاستيطاني الصهيوني اتجاه هؤلاء الذين حملوا في أجسادهم واعصابهم تبعات تحدي قوة الروح التي قاتلت ببسالة على أرض الجنوب والبقاع الغربي والمهم انه في ذات الوقت يخرج جرحى المقاومة وأهلهم ومعهم عائلات الشهداء ليشهدوا باعتزازهم بتضحيات الأبناء والآباء والأخوة وليحتفلوا بما انجزته روح التضحية وليشهدوا برعاية المقاومة لأبنائها ومجاهديها وهنا احد أهم الأسرار الكبرى التي حققت النصر العظيم .
ثالثا لم تسكر المقاومة على مجد انتصارها وتشهد السنوات العشرون المنقضية تعاظم تلك الروح وانتشارها وتحولها إلى نموذج ملهم في سورية واليمن والعراق وفلسطين وغيرها بما ظهر وبما يخفى من اعتمال وتوسع لوعي تحرري جديد لا يكبح مده بل انه يتغذى بأصالة من نزعة الدفاع ضد الغزو الاستعماري الصهيوني الرجعي وما ينطوي عليه من حروب وضغوط ومحاولات خنق متواصلة ضد الشعوب والدول بالعقوبات الاقتصادية والمالية وبحروب الوكالة التي يحشد فيها المرتزقة وعصابات التكفير وزمر الأخوان وسائر تشكيلات العمالة والارتهان والاستلاب في بلادنا.
ما نشهد به لريادة خيار المقاومة في شرقنا لا ينفي الحاجة إلى تطوير التشبيك القومي وتحقيق المزيد من وحدة الأدوات النضالية المنظمة وفي ذلك قوة مكتسبة للخيار التحرري فجبهة المقاومة غير المكرسة بمؤسسات معلنة او بهياكل متبلورة تتحرك بوصفها شبكة متناغمة حول نواة هي مشروع التحرر من الهيمنة لكن ظروف الحصار ومعضلة العقوبات الذاهبة نحو التصاعد باتت تطرح الحاجة إلى مشروع اقتصادي سياسي قومي يجمع الساحات ويوحد الطاقات ويردم الفجوات حتى لا تطول معاناة الجماهير وليمنع العدو الاستعماري الصهيوني الرجعي من فتح كوة في جدار التصدي الشرقي التحرري للغزوة في فصلها المستجد وهذا ما يعطي قيمة تاريخية لما اكده قائد المقاومة السيد حسن نصرالله عن ضرورة التوجه شرقا لإخراج لبنان وسواه من شرنقة الحصار الاستعماري وهنا هو التحدي الراهن لأي موقف وطني.