أيار 2000 – أيار 2020 من جبل عامل… إلى بحر الكاريبي: معن بشور*
يبقى الخامس والعشرون من أيار/ مايو 2000، يوماً مميّزاً في تاريخ لبنان والأمّة، بل والإنسانية جمعاء، لأنّ المحتلّ الذي اندحر عن أرضنا في ذلك اليوم، دون قيد أو شرط، لم يكن محتلاً للأرض في لبنان فحسب، بل محتلاً للإرادة في العديد من أقطار أمّتنا، ومحتلاً لما يسمّى بـ «المجتمع الدولي» الذي لم تنكشف ازدواجية المعايير لدى القيّمين على شؤونه كما انكشفت من خلال موقفه من الكيان الغاصب، وحروبه العدوانية ومجازره وتوسعه وعنصريته منذ تأسيسه..
صحيح أنّ هذا اليوم لم يكن المحطة الأولى في هذا الصراع ولن يكون المحطة الأخيرة، لكنه بالتأكيد كان تتويجاً لمسار بدأته المقاومة اللبنانية، بكلّ قواها منذ أواخر الستينيات في القرن الفائت، وأعطاه زخماً بعد غزو 1982 وحصار بيروت، شكل تحوّلاً تاريخياً في حياة الأمّة، بل العالم كله.. فمنذ الاندحار الإسرائيلي من دون قيد أو شرط عام 2000، إلى الانتفاضة الفلسطينية في العام ذاته، إلى إعادة احتلال مدن الضفة عام 2002 إلى المقاومة العراقية عام 2003، إلى حرب تموز عام 2006، إلى حصار غزّة والحروب عليها منذ عام 2007، إلى صمود سورية واليمن منذ عام 2011، وصولاً بالأمس إلى البحر الكاريبي حيث اخترقت وفي أجواء العيدين، عيد الفطر وعيد التحرير، الناقلة الإيرانية الحصار الأميركي على فنزويلا، مروراً بأحداث عديدة إقليمية ودولية…
ولكن علينا أن ندرك أنّ السنوات العشرين الماضية كان لها عند أعدائنا عنوان واحد هو محاصرة هذا الانتصار الكبير، والقوى التي ساهمت في إنجازه، وإفراغه من مضامينه..
فتجربة العدو في صراعه معنا، أنه كان في كلّ مرة تلحق الأمّة فيه هزيمة وتحقق انتصاراً، يسعى إلى الالتفاف عليه وتجويفه والانقلاب على نتائجه، كما حصل مع الوحدة المصرية – السورية عام 1961، ومع المدّ القومي العربي برمّته في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى حرب تشرين نفسها وإجهاض نتائجها..
لكن العدو فوجئ هذه المرة أنه أمام انتصار يصعب الإجهاز على نتائجه، وأنّ قواه تزداد قوة ومنعة رغم كل التجارب الصعبة التي مرّت بها من فتن داخلية، وحروب خارجية، عسكرية وأمنية، وحصار اقتصادي وتحريض طائفي ومذهبي وعرقي..
غير أنّ عدونا لا ييأس، وخصوصاً أنّ في واقعنا اللبناني والعربي والإقليمي من الثغرات الناجمة عن تفشي الفساد والاستبداد والتبعية ومنطق الإقصاء وتغليب المصالح الفئوية على المصلحة العليا، ما يسمح له أن يواصل محاولاته للثأر من ذلك الانتصار التاريخيّ.. فيعمد إلى محاصرة خيار المقاومة بجوع الناس وأوجاعهم متجاهلاً أنّ الاستسلام لمشيئة الأعداء لم ينجح في حماية شعوب بكاملها من الجوع والوجع… والأمثلة من حولنا، وفي العالم، كثيرة…
غير أنّ هذا لا يُعفينا من الانكباب الدقيق على دراسة أوضاعنا، فنطور ما حققناه من إيجابيات، ونتخلّص مما وقعنا به من أخطاء وسلبيات، فندرك أنّ الأخطار مهما عظمت لا تعفينا من مواجهة المشكلات الداخلية مهما صغرت، وأن مقاومة الاحتلال الأجنبي وتداعياته هي الوجه الآخر لمقاومة الاختلال الداخليّ، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً…
ومقاومة الاحتلال والاختلال ليس فتح جبهات متعددة، كما يظن كثيرون، بل هو تزخيم للمقاومتين معاً، فكلما تقدّمنا في مواجهة المشروع الصهيو – استعماري متمثلاً باحتلال الأرض والإرادة، تقدّمنا في المقابل في مواجهة تداعيات هذا المشروع على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أنّ أيّ تقدّم في مواجهة الفساد والاحتكار والاستبداد والطائفية والمذهبية يوفر لنا فرصة أكبر في مقاومة أعداء وطننا وأمّتنا…
فمن جبل عامل 2000 إلى البحر الكاريبي 2020 تأكيد لمعادلة آمنا بها جميعاً أن تحرير الأرض والإنسان في مكان، هو تحرير للأرض والإنسان في كل مكان..
فالخلود للشهداء، والشفاء للجرحى، والحرية للأسرى، والتحية لكلّ من ساهم في انتصار التحرير من رؤساء وقادة ومقاومين ومواطنين صمدوا في الأرض وقاتلوا معها.. ومن قاتل دفاعاً عن أرضه، فأرضه ستقاتل معه.. وتنتصر…
_ المنسّق العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية
(البناء)