مقالات مختارة

اسرائيل ، حلبة صراع جديدة بين الصين وامريكا بقلم أحمد مصطفى

نظرا لشدة الحرب التجارية الدائرة بين الطرفين (الصين وامريكا), وما اشعله كورونافيروس من حالة ركود اقتصادي جديدة – جعل الإدارة الأمريكية مدعومة بالدولة العميقة تشن حروبا إعلامية أكثر ضراوة على الصين – الأخيرة التي لا تزال تلتزم بالإحترام المعهود, وضبط النفس, ومد اليد للطرف الأمريكي – للتعاون في الأزمتين الصحية (كورونافيروس) والإقتصادية الركود القائم.

 

إلا ان الموضوع أمتد لأكثر من ذلك – فسماعنا بخبر وفاة السفير الصيني الجديد لدى اسرائيل السيد / دو وي – في ظروف مفاجئة, والذي كان يتمتع بصحة جيدة كما رأيناه في الصور, حيث ان عمره بعد لم يتجاوز 57 عاما – وان خدمته في اسرائيل لم تمتد لأكثر من ثلاثة أشهر, خصوصا بعد ان رد في الإعلام الإسرائيلي على ادعاءات بومبيو الكاذبة, بأن الصين كانت مصدر كورونافيروس وانها اشترت اسرائيل, تثير الكثير من التساؤلات.   

خسارة امريكية موجعة في الساحة الأوروبية ، وتصدر تكنولوجيا المعلومات للمشهد العالمي

فبعد أن خسرت امريكا المعركة مع الصين داخل الساحة الأوروبية, وذلك من خلال حجم التجارة الصيني مع الإتحاد الأوروبي, والذي وصل قبل ازمة كورونا, ووفقا لوكالة رويترز وغرفة التجارة الصينية الأوروبية, لما يزيد عن مليار يورو يوميا, وعندما نتحدث عن اوروبا نتحدث عن المانيا على وجه الخصوص التي تستحوذ على ثلثي حجم هذه التجارة.

يعد حجم التجارة هذا عشر مرات حجم التجارة عبر الأطلنطي ما بين أمريكا ودول اوروبا مجتمعة, وطبعا هذا الحجم يضمن اتمام مبادرة الطريق والحزام بكل نجاح في ظل ضعف السيولة الأوروبية وما ستعانيه هذه الدول ايضا بعد أزمة كورونا – كما ذكرنا في مقالات سابقة.

وليس هذا فقط, بل أن حجم المشروعات والصفقات التي حققتها شركة هواوي الصينية, وخصوصا داخل أوروبا, وفي الكي وخصوصا ان الصين أكبر مستورد للسيارات الألمانية الفاخرة في العالم, بحجم يصل الي 7 مليون سيارة في نهاية العام الماضي, حيث إتفقت مع كل من “ديملر كريزلر, وبي إم دبليو, وفولكسفاجن “, وهي أكبر شركات للسيارات في العالم, تحديدا لتطوير” الذكاء الصناعي “لسيارات هذه الشركات لإنتاج الجيل الجديد الذاتي القيادة (دون قائد سيارة); لم يسبق لها نظير.

 بل ايضا إستحوذت هواوي الصينية, في المانيا, على مناقصة تطوير البنى التحتية لتكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات متخطية الشركات الأمريكية والأوروبية الحليفة لألمانيا – على الرغم من التحذيرات البريطانية والأمريكية من خطر التجسس الصيني على دولة مهمة في حلف الناتو حليف لأمريكا, وكذلك سرقة الملكية الفكرية المزعومة – إلا ان الموضوع لا يتعد حرب شركات لا أكثر ، وكذلك استمرار لمسلسل الهيمنة الأمريكية الفاشل.     

بعد كندا وبريطانيا ، كما نرى ، أصبحت إسرائيل ساحة جديدة وهامة للصراع بين الصين وأمريكا.

بعد تصريحات أدلى بها روبرت بلير, رئيس موظفي نائب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب, للإدارة الكندية في أبريل الماضي, أنه لم يوافق مع شركة هواوي الصينية الصينية على تحديث البنية التحتية للاتصالات الكندية, والتي تتوافق مع تقنية الجيل الخامس, مدعيا التنصت وانتهاكات أمنية من قبل هواوي ، وأنه إذا حدثت هذه الموافقة ستمتنع أمريكا عن التعاون في المعلومات والاستخبارات مع الجانب الكندي.

لم تستجب كل دولة لتحذيرات ترامب, فقررت المملكة المتحدة, على سبيل المثال, في وقت سابق من هذا العام السماح لشركة هواوي بلعب دور محدود في بناء شبكاتها للجيل الخامس وتوفير المعدات “غير الأساسية”, هذا القرار الذي أثار إدانة قوية من توم كوتون, السيناتور الجمهوري البارز.

قبل بضعة أسابيع, دعا السيناتور كوتون, جرينيل مسئول المخابرات البريطاني إلى “إجراء مراجعة شاملة لتقاسم المعلومات الاستخبارية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة, حيث قال:” إن السماح لشركة هواوي ببناء شبكات الجيل الخامس في المملكة المتحدة اليوم يشبه السماح للمخابرات الروسية ببناء شبكة هاتفها خلال الحرب الباردة. “

من ناحية أخرى, ازدهرت العلاقات الإسرائيلية الصينية في السنوات الأخيرة, وتعد بكين اليوم أكبر شريك للبنية التحتية لإسرائيل, حيث تقوم ببناء الطرق والأنفاق والموانئ والسكك الحديدية والمزيد في صفقات تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الشواكل (العملة الإسرائيلية).

على الأرض، تقوم الشركات الصينية ببناء أنفاق للسكك الحديدية الخفيفة في تل أبيب والبحر، وهناك شركة صينية تكمل بناء ميناء أشدود الجديد، وستبدأ شركة أخرى قريباً في إدارة ميناء حيفا، حيث تبلغ قيمة الصفقات الثلاث حوالي 20 مليار شيقل.

خلال العام الماضي، وبسبب المعارضة الأمريكية، وضعت إسرائيل آليات إشراف جديدة لمنع الصين من اختراق الاقتصاد الإسرائيلي، وأوضحت الولايات المتحدة لإسرائيل أنه إذا استمرت الصين في بناء كل البنية التحتية لإسرائيل، فإن استمرار تبادل المعلومات الاستخبارية سيكون في خطر.

وأوضح موشيه كوبل، رئيس منتدى كوهيليت للسياسات في القدس، “نحن بحاجة إلى أن نقرر ما إذا كنا مع الصينيين أو الأمريكيين، وأن الحكومة تدرك ذلك جيدًا“.

حيث يعمل، موشيه كوبل، وراء الكواليس محاولًا جمع المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين معًا لتطوير بعض المكونات والأجهزة اللازمة لشبكات الجيل الخامس بشكل مشترك، في حين أن شركة كوالكوم الأمريكية، على سبيل المثال، الرائدة في تكنولوجيا الجيل الخامس، متخلفة عن الشركات الصينية، وهنا، يقول كوبيل، من المحتمل أن تساعد الشركات الصينية الشركات الإسرائيلية.

وأوضح قائلاً: “لا يمكن لدولة صغيرة مثل إسرائيل أن تفعل الكثير من أحدث التقنيات ذات الصلة بالأمن وجمع البيانات الضخمة، ويجب أن تقوم بها اتحادات دولية كبيرة”، “لا يمكننا أن نكون جزءًا من كونسورتيوم مثل هذا مع الولايات المتحدة، إلا إذا التزمنا بعدم المساس بالأمن من خلال العمل مع الصين.”

رسمياً ، إسرائيل لا تقول الكثير ولكن هناك محادثات. ظهرت قضية 5G ، على سبيل المثال ، في الاجتماع الذي عقده وزير الدفاع نفتالي بينيت مع وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر في البنتاغون في فبراير. وأوضح أحد المسؤولين الحكوميين أن سبب التزام إسرائيل بالهدوء في الوقت الحالي هو عدم إزعاج الصينيين.

ولكن في النهاية ، كما قال كوبيل ، سيتعين على إسرائيل أن توضح موقفها، لطالما ضغط مجلس الأمن القومي الأمريكي على إسرائيل بشأن الصين، وأصبح موضوعًا منتظمًا في محادثات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع وزير الخارجية مايك بومبيو، حيث قال مسؤول أميركي مؤخرًا: “إذا لم يتم التعامل مع هذا الموضوع بشكل صحيح، فقد ينتهي الأمر بالصين إلى أن تتسبب في ضرر للعلاقات الإسرائيلية الأمريكية أكثر من أي شيء قبلها“.

ما يعنيه هذا أمر بسيط – فرصة استراتيجية مثل الشراكة مع أمريكا على شبكات الجيل الخامس تكمن ببساطة من جانب، في انتظار قيام إسرائيل بعملها معًا، إلا انه هل من الممكن أن يحدث ذلك؟

في مقابلة أجريتها مع مسؤول صيني كبير رفض ذكر اسمه، عبر الواتس آب، بشأن المزاعم التي نشرتها الصحافة الغربية فيما يلي: –

س- ما رأيك في المعضلة الغربية المتعلقة بعضوية الحزب الشيوعي الصيني للشركات الصينية؟

ج- عضوية الحزب الشيوعي الصيني هي شرف للشركات الصينية وتحميها من المطاردة والضغط الخارجي وأنت تتابع، على سبيل المثال، الضغوط التي تتعرض لها “هواوي” وهي واحدة من أكبر شركاتنا في مجال الاتصالات، موضوع البحث الخاص بك، وتخضع للعديد من الضغوط الأمريكية والبريطانية، بشكل مباشر وغير مباشر، لأنها حصلت على عقود في 30 دولة في جميع أنحاء العالم في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا وحتى كندا، مع ما يقدر بأكثر من “خمسين عقدا ًعالميًا لتكنولوجيا الجيل الخامس”، وهذا ما يثير غضب الشركات الأمريكية والأوروبية في هذا المجال، ولكن ما يجعل شركتنا تتجاوز الآخرين الجودة والقدرات والأسعار المناسبة هذا غير متوفر للمنافسين في العالم، وأننا رقم واحد في هذا المجال، ويجب علينا الحفاظ على هذه الشركة، التي تمثل صورة الصين وتفوق الصين التكنولوجي والصناعي في الخارج.

ما رأيك في ادعاء التجسس من قبل الغرب ضد شركات تكنولوجيا المعلومات الصينية وخاصة هواوي؟

أحمد ، أجبني من فضلك ، هل للصين أي علاقة بفضيحة تجسس إدوارد سنودن أو ويكيليكس، ومن تسبب في ذلك؟ هل نحن، أم امريكا؟ لقد تم التجسس علينا سابقًا من قبل شركة جوجل الأمريكية، التي كانت تعمل لدينا حتى وقت قريب، وقد حذرناهم أكثر من مرة، لكنهم لم يستجيبوا، وكان علينا فقط إنهاء أعمالهم، لأن ذلك كان يعرض أمن بلدنا للخطر، والتجسس الآخر عبر الفضاء والمصدر واحد، تعرفه بالطبع.

وختاماً، بحجة حماية حقوق الملكية، على الرغم من مطالبة أمريكا بتقديم شكواها من خلال منظمة التجارة العالمية والامتثال لأحكامها، فإن النظام الأمريكي يرفض دائمًا اللجوء حتى إلى الأساليب القانونية المشروعة.

ختاما، لا نعتقد ان الصين ستصعد حتى لو هناك شبهة جنائية في وفاة السفير الصيني/ دو وي، حتى لا تخسر ما حققته في صمت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في ظل النباح الأمريكي الذي لا يستند على قوة حقيقية متمثلة في اقتصاد قوي، وكذلك في تخلف شركات اتصالاتها في ملاحقة الشركات الصينية وخصوصا “هواوي” والتي ستفاجىء العالم أيضا بتكنولوجيا “الجيل السادس” والتي أعلن عنها رئيسها السيد/ رن شنجفاي – على شبكة (سي إن بي سي) الأمريكية في نهاية سبتمبر 2019.

يصعب حاليا على اي حكومة اسرائيلية التضحية بالإستثمارات الصينية الجادة، وهذا يمثل ضغط سياسي كبير على الولايات المتحدة من جانب، وتفوق صيني في هذا الجانب يمكن الصين من استغلاله في بعض قضايا الشرق الأوسط بالغة الأهمية كوضع حل لـ “القضية الفلسطينية” بعيدا عن امريكا وبالشراكة مع الجانب الروسي والمصري في هذا الجانب.

وايضا يمكن استغلاله في ملف سد النهضة – حيث ان للحكومة الصينية نفوذ كبير داخل اثيوبيا، وحتى ان كانت إسرائيل على علاقة وطيدة بالنظام الإثيوبي وتدعمه فيما يسير فيه ضد مصر.

وكذلك في الملف السوري وبالشراكة مع روسيا ومصر، ونحن على علم أن اسرائيل لعدائها لنظام الأسد، هي إحدى أسباب عدم الإستقرار داخل الأراضي السورية، حيث أن الصين، بشكل ما او بآخر، تدعم نظام الأسد واستقرار سوريا، لأنه مهم لإستكمال مشروع طريق الحرير.        

أحمد مصطفى

كاتب وباحث مصري

رئيس مركز آسيا للدراسات والترجمة

وطالب دراسات عليا قسم الدراسات الروسية – المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى