بقلم غالب قنديل

الرواية الكاذبة والانقلاب المزعوم

غالب قنديل

تتلاحق التصريحات السياسية التي تحشد تعابير وتوصيفات من نوع الانقلاب وتغيير وجه لبنان في التعامل مع بيان لرئيس الحكومة مهد به لمقررات يتردد انها قد تصدر عن جلسة قادمة لمجلس الوزراء وقد كان المحوري في الهجمة السياسية المنسقة هو الانطلاق مما اعتبر استهدافا لحاكم المصرف المركزي بمجرد تحرك الحكومة للقيام بواجب أهملته معظم سابقاتها منذ ثلاثين عاما وهو طلب التدقيق في دفاتر المصرف.

 

أولا الخيط الخفي خلف الحملة السياسية الإعلامية التي تستهدف المقاومة هو تعميم رواية عن الانهيار تحملها مسؤولية ما جرى وهي رواية مصدرها أميركي أصلا وقد رددها جميع أيتام فيلتمان ولوبراني في طوابير الوصاية والارتهان اللبناني من الأحزاب القديمة والجماعات الجديدة والمستجدة فقد ردد هؤلاء ان المقاومة هي المسؤولة عن التسبب بالعقوبات الأميركية والقطيعة السعودية الخليجية التي خنقت الاقتصاد اللبناني ودحرجته في طريق الانهيار وفي هذه السردية استطالة منهجية لمنطق الرجعية اللبنانية التابعة الخاضعة والخانعة التي اعتبرت دائما ان عمليات المقاومة كانت هي تقدم  الذريعة للعدوان الصهيوني وهي سعت ودعت مجتمعة ومنفردة لوقف العمليات رغم وجود الاحتلال وبعد التحرير تنكرت لانتصار المقاومة وطالبت بنزع سلاحها وبالتمام تجدهم اليوم يستنسخون المنطق نفسه فالعقوبات لا تعنيهم كعدوان على السيادة ينبغي رفضه والتضامن الإنساني والأخلاقي مع الأشقاء في سورية واليمن تدخل في شؤون الآخرين وتحرش بمملكة “الخير” رغم الدور السعودي تحت الإمرة الأميركية في العدوان على سورية واليمن وفي دعم الإرهاب القاعدي والداعشي الذي هدد لبنان وكلفه الكثير.

ثانيا النسخة الجديدة من رواية التزوير والتضليل تعمم خرافة الانقلاب في توصيف ما تقوم به حكومة الرئيس حسان دياب التي لم تقم حتى الساعة بأي خطوة عملية ضد العقوبات  أو المشيئة الأميركية لكنها تصوب على أهداف تتصل باحتواء الانهيار الحاصل وبمحاصرة مواقع الهدر في المالية العامة وخطواتها تزعج الجماعات والجهات السياسية المالية التي تسيدت على النموذج الريعي التابع وهي كانت على الدوام سليلة التبعية وما تزال من متعبدي الخنوع أمام الهيمنة الأميركية على العالم والمنطقة وهذا الحلف السياسي يقود نموذجا جديدا للعبث بالعقول من خلال اتهام الحكومة بتنفيذ انقلاب مزعوم وبمحاولة تغيير وجه لبنان كما ردد كثيرون ويمكننا  ان نلاحظ حقيقة راسخة وهي القيادة الأميركية الخفية للشبكة السياسية الإعلامية التي تردد تلك المزاعم في نسج تصور افتراضي وجهته الرئيسية هي النيل من المقاومة والتحريض ضدها والسعي إلى تعريتها سياسيا واجتماعيا والمحاولة المتكررة لشق جمهورها ودفع ما امكن من مسانديها إلى الانفضاض عنها عبر البناء الافتراضي للرواية التي صرح بها الأميركيون جهارا حول أسباب الأزمة ومحركاتها التي انطلقت مع العقوبات المصرفية والمالية التي كرستها واشنطن لخنق لبنان اقتصاديا ولدفعه في مسار الانهيار.

ثالثا ما هو المقصود بتغيير وجه لبنان في هذه الحملة ضد الحكومة ؟ في الكلام السياسي الصريح لبعض أركان مائدة عوكر كلام عن العلاقات مع سورية وإيران وسنضيف الصين وروسيا والهند وهم يخفونها قصدا لأنهم ينطقون بهواجس معلمهم فيلتمان الذي صرح عن مخاوفه من تقلص النفوذ الأميركي والغربي في لبنان نتيجة الانهيار الذي وقع قائلا إن من سيكون جاهزا لشغل الفراغ هي تلك الدول المناوئة للهيمنة الأميركية والمتمردة على المشيئة الأميركية ولكن هل يعقل ان تتهم بذلك حكومة لم تتخذ قرار واحدا جديدا في العلاقة مع سورية او إيران بل وارتكبت خطأ بتجاوز اللياقات بين الأشقاء عندما اوردت في بيان رسمي اسم سورية في لائحة الدول التي  حظرت السفر إليها بفعل الجائحة ولم يكن قد صدر عن وزارة الصحة السورية او منظمة الصحة العالمية أي اشهار لوجود إصابات في الدولة الشقيقة التي ما تزال حصيلتها بين الدول الأقل تأثرا بفعل نظامها الصحي الجيد والمعترف له دوليا بالفاعلية والمتانة.

رابعا من الخرافات التي يرددها أتباع الوصاية الأميركية تغيير وجه لبنان ولوسئل أي لبناني عادي عما حفظته ذاكرته عن وجه بلاده في ظل نظام التبعية والريعية والتقاسم لما بقيت في جعبته بشاعة خارج الاستذكار من النفايات إلى طوفان المجارير إلى تلوث الماء والهواء وخراب الموارد وهدر الاموال والصفقات الكريهة والعمولات وفلتان الأسواق وتدمير الخدمات العامة وتوحش الاحتكارات التي خلفت الخصخصة في كل مجالات الحياة وتغيير هذه الملامح إذا ما انطلق من تغيير سلوك السلطة الاجرائية في اتجاه المساءلة والمحاسبة هو تحقيق لغاية حلمت بها اجيال.

يريدون من كل ذلك الخداع ان ينالوا من  المقاومة التي يسعون إلى شيطنتها ويريدون عزلها وسلخها عن حاضنها الشعبي بديماغوجيا تحريضية توظف تداعيات  أزمة مالية واقتصادية وقتها الأميركي وفعل عناصرها باستثمار أرضية اقتصادية ومصرفية وإعلامية وسياسية نسجها أذنابه وأتباعه في الهيكل اللبناني المتصدع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى