مقالات مختارة

ما العمل…؟ الدولار بلا سقف ونظام المحاصصة الطوائفيّة في الحضيض: د. عصام نعمان

أخيراً فجّرها حسان دياب. رئيس حكومة لبنان أعلن مواقف وإجراءات راديكالية غير مسبوقة ترتقي بمضمونها إلى مستوى انقلاب هو الأول من نوعه في تاريخ لبنان المعاصر. فمن سدّة السلطة حمّل خصومه السياسيين ممثَلين بشخص حاكم مصرف لبنان (المركزي) رياض سلامة مسؤولية الانهيار المالي والنقدي الحاصل، متوعّداً الجميع بأنّ «الدولة ستضرب بحزم، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون».

 

لم يحمّل دياب أركان الشبكة الحاكمة المسؤولية عن استشراء الفساد والإهدار خلال السنين الثلاثين الماضية. ركّز على حاكم مصرف لبنان لكونه مسؤولاً عن السياسة النقدية التي تسبّبت بتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية حتى بات الدولار الواحد يساوي أكثر من 4000 ليرة ولا مَن يجرؤ على أن يحدّد له سقفاً. ولأنّ رياض سلامة ليس وحده مسؤولاً عن الانهيار المالي والنقدي، فقد دعاه دياب «ليخرج ويعلن للبنانيين الحقائق بصراحة، ولماذا يحصل ما يحصل، وما هو أفق المعالجة، وما هو سقف ارتفاع الدولار…؟».

دياب يعرف معظم الحقائق المطلوب من حاكم مصرف لبنان كشفها وتأكيدها، ولعله سيفعل في قابل الأيام. لكن دياب آثر، تحوّطاً، ان يكشف قسماً منها على النحو الآتي:

ـ الخسائر المتراكمة في مصرف لبنان ارتفعت 7 مليارات دولار منذ بداية هذا العام ولغاية منتصف شهر نيسان الحالي.

ـ الأرقام تكشف خروج 5,7 مليارات دولار من الودائع في المصارف اللبنانية خلال شهري كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) الماضيين.

ـ ثمة مليارات أخرى تمّ إخراجها من ودائع المصارف اللبنانية من أول آذار (مارس) الماضي ولم يجرِ تدقيقها بعد.

إزاء هذا الواقع المالي والنقدي المرير، أشاد دياب بـِ «القرار التاريخي الذي اتخذناه مع فخامة رئيس الجمهورية بتكليف شركة دولية حيادية التدقيق الحسابي في مصرف لبنان». وعليه، فقد قرّر مجلس الوزراء التقدّم من مجلس النواب بـِ «مشروع قانون يُلزم جميع مساهمي المصارف من الأشخاص الطبيعيّين والمعنويّين وأصحاب الحقوق الاقتصادية الحائزين بصورة مباشرة أو غير مباشرة على ما لا يقلّ عن 5% من رأسمال ايّ مصرف عامل في لبنان، وجميع الأشخاص الذين يشغلون مناصب في الإدارات العليا للمصارف والأشخاص الذين تبوّأوا مراكز سياسية أو إدارية أو قضائية أو عسكرية في الدولة اللبنانية أو في الإدارات العامة أو المصالح العامة التابعة للدولة اللبنانية بإعادة جميع الأموال المحوّلة من قبلهم أو بناء لطلبهم إلى الخارج بعد تاريخ 17/10/2019 (…) بواسطة هذه المصارف تحت طائلة بطلان عمليات التحويل، والملاحقة الجزائية بجرائم تهريب الأموال والإثراء غير المشروع».

خصوم الرئيسين عون ودياب المتضرّرون من القرارات الراديكالية التي اتخذها مجلس الوزراء بادروا الى الردّ على دياب بقسوة. أبرز المتضرّرين، رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، اتهم خَلَفَه بـِ «تصفية النظام الاقتصادي الحرّ (…) وتبييض صفحة العهد والوجوه والأموال والمسروقات ثم ركوب موجة المطالب الشعبية من دون التمكّن من تلبيتها».

لا يُخفى على الرئيس دياب وشركائه في القرارات الراديكالية المعلنة أنّ خصومهم السياسيين المتضرّرين ليسوا ضعفاء، لا في الشارع ولا في مؤسّسات السلطة، وأنهم سيحاولون بشتى الوسائل الحؤول دون إقرار مشاريع القوانين الرامية الى استعادة الأموال المنهوبة وملاحقتهم جزائياً، وأن لا ضمانة لقيام مجلس النواب بإقرار القوانين الراديكالية المطلوبة، فما العمل؟

أرى أنّ ثمة مبادرات يقتضي ان يتخذها الرئيس دياب وأخرى يقتضي ان تتخذها قوى التغيير الوطنية والتقدمية.

الرئيس دياب مدعوٌّ إلى التحسّب لاحتمال تلاحم أهل نظام المحاصصة الطوائفية ضدّه، والاستماتة في الدفاع عن مصالحهم المهدّدة بكلّ الوسائل المتاحة، لا سيما إثارة العصبيات الطائفية والمناطقية، ودفع قوى الأمن إلى الاصطدام بأنصارهم في الشارع بقصد إراقة الدماء ووسم إجراءاته الإصلاحية بالتطرف وتمزيق النسيج الوطني. لتعطيل هذا الاحتمال الخطير، يقتضي ان يتخذ دياب وحلفاؤه قراراتٍ عدّة أهمّها:

ـ التعجيل بإحالة مشاريع القوانين الإصلاحية الراديكالية إلى مجلس النواب لبتّها.

ـ توسيع القاعدة الشعبية والسياسية المؤيدة لإجراءاته الإصلاحية الراديكالية والضغط بغية حمل مجلس النواب على إقرارها.

ـ الانفتاح على قوى التغيير الوطنية والتقدمية وتبنّي مطالبها الإصلاحية المعلنة التي سبق أن أعلن تأييده لها.

ـ التعاون مع قوى التغيير الوطنية والتقدمية لاحتواء احتمال تباطؤ مجلس النواب في إقرار الإصلاحات الراديكالية المطلوبة وتجاوزه بتكليف هيئة وطنية مستقلة عن أهل النظام مهمّتها وضع قانون انتخاب جديد خلال مدة وجيزة ليكون محور الإصلاح الأساس، والضغط شعبياً لإقراره في مجلس النواب أو، إذا تعذّر ذلك، في استفتاء شعبي عام ليُصار من ثم إلى اعتماده وإجراء الانتخابات على أساسه بقرار من مجلس الوزراء.

أما قوى التغيير الوطنية والتقدمية فمدعوةٌ الى التفكير والتدبير بواقعية وراديكالية في آن، وبالتالي اتخاذ المبادرات الآتية:

ـ إعادة إحياء وتفعيل الانتفاضة الشعبية بالإصرار على أهدافها ومطالبها كافة، مع التركيز مرحلياً على قانون ديمقراطي للانتخابات يكفل صحة التمثيل الشعبي وعدالته بما هو مفتاح تغيير نظام المحاصصة الطوائفية بوسائل سلمية مع مراعاة مبادئ مقدّمة الدستور وأحكامه، وحيثيات نظرية الظروف الاستثنائية.

ـ تركيز مشروع قانون الانتخاب المنشود على الأسس الآتية:

أ ـ الدائرة الوطنية الواحدة.

ب ـ التمثيل النسبي.

ج ـ تنفيذ أحكام المادة 22 من الدستور التي تقضي بانتخاب مجلس نواب على أساس وطني لاطائفي وآخر للشيوخ لتمثيل العائلات الروحية.

د ـ عرض المشروع الجديد على استفتاء شعبي عام لإقراره مع تضمينه نصّاً يقضي بالإجازة للحكومة إجراء انتخابات جديدة على أساسه.

ـ التواصل مع الرئيس دياب ومساندة حكومته في كلّ ما من شأنه دعم المطالب الإصلاحية سابقة الذكر، ونقد التصرفات والإجراءات التي تتنافى معها.

هل من مسار أفعل وأفضل؟

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى