شوشو “الآخ” المستمرة…
حسن علاء الدين أو “شوشو” الاسم الفني الذي حُفر في الوجدان والذاكرة، وارتبط بمسيرة فنية حافلة قامت على موهبة نادرة قادتها الصدف إلى الظهور، فقد انضم الموظف المصرفي إلى فرقة للهواة مدفوعا بشغف فني قاده في ما بعد لتأسيس “المسرح الوطني” في تشرين الثاني من العام 1965، مع الكاتب المسرحي نزار ميقاتي، الذي اشتهر بمسرح شوشو، ليصبح الرقم الفني الصعب والشخصية الفريدة التي استطاعت ان تنتزع الضحكة من أفواه لم تعرف إلى الابتسام طريقا ولو مواربا، وحده شوشو أضحكها وأبكاها من فرط الضحك على معاناة كانت وما تزال تتفاقم إلى اليوم في بلد لم يعرف الفرح والاستقرار إلا لماما.
حياة “شوشو” كانت مشوارا طويلا مشحونا بالألم كما مسلسله الشهير“المشوار الطويل”، الذيلعب فيه أول دور درامي له مع النجم المصري محمود المليجي عام 1972 وتمّ تصويره في تلفزيون لبنان.
مشوار “شوشو” كان مفعما بالتميز والابداع والعطاءات الفنية رغم سنواته القليلة، فهو رحل شابا في قمة عطائه الفني في الثاني من تشرين الثاني عام 1975 عن ستة وثلاثين عاما، وفي قلبه الموجوع حسرة على ضياع أحلام أطاحت بها الحرب بعد احتراق مسرحه، ودخوله دوامة عمل مضنٍ لسداد ديون تراكمت بفعل الخسارة، وحزن عميق ساهم في تدهور حالته الصحية، فكانت السيجارة مع فنجان القهوة رفيقا دائما الى حين وفاته في الثاني من تشرين الثاني عام 1975.
شوشو الذي تخصص في فنّ الفودفيل ولبنن مسرحيات موليير، “البخيل” و “مريض الوهم”… لم يعرف التخصص الاكاديمي، إلا أنه كان فنانا شاملا حفر اسمه في سجل الريادة، عشقه الكبار والصغار، وهو أول فنان عربي عمل على مسرح الاطفال.
شخصية فريدة في الشكل والمضمون بجسد نحيل وليونة قل نظيرها، بشاربين طويلين وقبعة أو طربوش على الرأس، تنقّل برشاقة وخفة غير معهودتين بين المسرح والاذاعة والتلفزيون فالسينما عبر عشرات الاعمال، بمعزل عن الآراء التي تناولت نسبة نجاحه وتفوقه في أي من هذه المجالات، فقد وصفت تجربته السينمائية بالفاشلة. مثّل، رقص وغنى، وأضحك كما أبكى الملايين في آن، سخر وانتقد الساسة بحضورهم، وكان نقده لاذعا الى درجة التوقيف أحيانا، لكنه لم يكن ليرتدع، وهو الذي أحس “الآخ” وذاق مرارتها.
عاش “الدنيا هيك” مع الراحل الكبير محمد شامل، الذي اكتشفة واطلق عليه اسم “شوشو”، وعمل مع كبار في لبنان والوطن العربي، وأطلق الآخ الشهيرة في مسرحية “آخ يا بلدنا” بداية السبعينات. صرخة ما تزال اصداؤها تتردد في جهات الوطن الاربع، عميقة مدوية تضج معاناة وألما ممزوجا بالقلق على المصير.
37 عاما على الرحيل وما تزال تلك الشخصية الاستثنائية التي لم تتكرر أو “الأسطورية” كما يحلو للبعض أن يسميها، حاضرة برشاقتها، بانسيابها الساحر سكونا وعفوية هادئة، وحيوية مفاجئة تكسر رتابة المشهد، فتنتشلنا من همومنا وتدخلنا الى عوالم الثرثرة المضحكة والسخرية المؤلمة على واقع ما زال كما عهده الراحل الكبير، هو هو لم يتغير بكل أشكاله وعناوينه.
لو قدر لحسن علاء الدين “شوشو” أن يعود إلى الحياة مجددا لكان ممتعا اللجوء اليه هربا من عجزنا عن التغيير ومن استعصاء الحلول وضيق الآفاق.
كثيرون هم الكبار الذين خسرناهم وعلى فترات متباعدة، ولا مجال لذكرهم في هذه العجالة، لكننا نتذكر في الراحل الكبير ذاك الوجع الذي عرفه ورافقه حتى الممات، وكل هذا الجحود الذي واكب حياته كما الرحيل، وترانا نردد معه سرا وعلانية، صمتا وصراخا: شحاذين يا بلدنا…