سورية ولبنان والكورونا
غالب قنديل
بحذر وخفر قاربت الحكومة اللبنانية ملف العلاقة مع سورية ولم تحرك جديدا في مسألة اكثر من ملحة وضرورية اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وسياسيا وتزيد من اهميتها ازمة وباء كورونا وخطة مواجهتها في ظل وجود النازحين السوريين الذين هم مسؤولية مشتركة وملف عالق معلق تحت الضغوط الأميركية والأوروبية التي اعترضت وعرقلت مبادرات العودة المنظمة التي قادها ونظمها الأمن العام اللبناني بالتفاهم مع السلطات السورية.
أولا من الواضح ان الحكومة تراعي في حساباتها المواقف الغربية والخليجية المعترضة على أي انفتاح حكومي لبناني على دمشق وهي تريد الاحتفاظ بقضية النزوح كعنصر ضغط على الدولة الوطنية السورية واستعمال لبنان في دومينو محاصرة سورية وهي لاتريد اشعال الضوء الأخضر إلا على توقيتها المناسب على الرغم من تلاحق المبادرات السرية والعلنية التي تتخذها دول غربية وخليجية اتجاه سورية ولعل أبرزها مؤخرا ما أعلن سياسيا عن العلاقات الإماراتية السورية بعد اتصال هاتفي اجراه الشيخ محمد بن زايد بالرئيس بشار الأسد ومن المؤسف ان يتردد أي مسؤول لبناني في اتخاذ المبادرات نحو الشقيقة السورية التي نحتاج على غير صعيد إلى التنسيق والشراكة معها.
ثانيا في مجابهة خطر تفشي كورونا ليس المشترك مع سورية فقط هو معالجة وضع المعابر الحدودية وتنظيم العبور بين البلدين وإحكام الرقابة الصحية لمنع انتقال العدوى وهذا ما تكفلت بإنهائه قرارات إقفال الحدود في البلدين وقد تضمن الإعلان اللبناني دعسة ناقصة غير لائقة.
لكن ثمة حاجة أكيدة لتنظيم عودة النازحين الراغبين بمغادرة لبنان سواء بسبب توقف النشاط الاقتصادي وسعيهم إلى فرص تدبر احوالهم في سورية حيث يعيش سكان المناطق الريفية حالة من الكفاية المقبولة وتوفر لهم الدولة الوطنية رعاية اجتماعية وطبية وتموينية ليست مؤمنة في لبنان لغير النازحين فكيف بحال المخيمات التي حولتها مافيا اللصوص والوسطاء وسماسرة التنفع إلى وسيلة للنهب على حساب العائلات السورية البائسة حصلت فيها مليارات الدولارات.
ثالثا في ظل الاحتياجات الطبية والدوائية التي يطرحها التحدي الوبائي المستجد يمكن لتكامل الجهود بين وزارتي الصحة والخبراء والمصنعين في مجالي الأدوية والمعدات والتجهيزات الطبية ان يوفر الكثير على سورية ولبنان معا.
الصناعة في سورية متطورة على صعيدي الأدوية والمعدات وتكامل الجهود والطاقات يوفر طاقة لايستهان بها في تلبية حاجات البلدين معا فالعالم بأسره يعيش ازمة نقص الأدوية والمعدات وسيكون صعبا إيجاد مصادر جاهزة لبيع أو تسليم كميات كبيرة في حال لاح خطر التفشي الواسع الذي سيجعل الحصول على الأسرة واجهزة التنفس ومعدات الفحص المخبري قطعا نادرا عدا عن الكمامات والكفوف الواقية من العدوى ومواد التعقيم والتطهير الطبية وقد ظهرت مبادرات لبنانية رعاها وزيرالصناعة وهي يمكن ان تضاعف جدواها بالتنسيق مع سورية.
رابعا لم يعد مفهوما التردد في اتخاذ المبادرات نحو سورية التي تؤكد تجاوبها المسبق والسؤال لرئيس الحكومة وأعضائها ولجميع المسؤولين اللبنانيين مما تخافون وماذا تخشون ؟ هل هو وهم الرهان على تجاوب اميركي او غربي اوخليجي مع طلبات الدعم والمساعدة المالية ؟ الأرجح ان ذلك الرهان ما عاد كما كان عند تشكيل حكومتكم بعدما نسف الوباء جداول الأعمال وغير الأولويات وصب جهود سائر الدول صوب مشكلاتها الخاصة وابتلائها الوبائي الخاص واستنزف الكثير من مواردها وبالتالي فمراعاة هذه الجهات هي تبرع مجاني بلا جدوى بينما التنسيق مع سورية فيه الكثير من العوائد الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية التي يحتاجها لبنان في هذه الظروف وكل تنسيق سوري لبناني في مواجهة هذا التحدي سيعود بالنفع على البلدين ويؤمن تكامل الخبرات والإمكانات فماذا ينتظر المسؤولون في لبنان لممارسة حق سيادي مطلق في العلاقة مع دولة شقيقة وجارة وشريكة شاء من شاء وأبى من أبى؟!.
خامسا قد يظن البعض ان تاخيرالتحرك الفاعل على خط العلاقات اللبنانية السورية يجنب الحكومة جبهة استهداف سياسي داخلية وبالتالي هو من باب الحرص على تحاشي حملات جاهزة ضد أي بادرة لبنانية سورية لتهشيم الحكومة واستنزاف رصيدها وثمة جبهة اعتراض لايستهان بوزنها تعادي الحكومة قبل تشكيلها ولكن الحقيقة ان هذه الجبهة لن تصمت وتتراجع مهما فعل رئيس الحكومة وأعضاؤها.
يتصرف الفريق المعارض المعترض بكيدية الموقف المسبق مهما فعلت الحكومة وكانت هجماته على وزير الصحة والحكومة وتدابيرها هي الاثبات ولما برهنت التجربة صوابها لم يبدلوا في خطبهم وحملاتهم ولم يراجعوا حساباتهم وبالتالي لن يفيد الخضوع لابتزاز الداخل والخارج وإذا حزمت السلطة السياسية امرها بخطوات مناسبة ستلقى التجاوب السوري وسوف يظهر بالوقائع حجم المصالح اللبنانية المحققة من خلال التنسيق مع سورية الذي بات معيبا تحاشيه وطنيا واخلاقيا ومصلحيا.