بقلم ناصر قنديل

كتاب مفتوح إلى دولة الرئيس نبيه بريّ: ناصر قنديل

نعرف يا دولة الرئيس حجم الأعباء التي تحملون، كما نعرف ضغط الأزمات المركبة التي ينوء البلد تحت حملها، وأنتم في قلب المسؤولية، لكننا نعلم أنك في الأزمات ملجأ كل باحث عن فكرة الدولة، وكل بارقة أمل بوضع الأمور في نصابها خارج الحزبيات الصغيرة والفئويات المريضة، فكيف عندما ترتبط القضايا بعنوانين أنت رمزهما، عنوان أول هو المقاومة، وعنوان ثانٍ هو المجلس النيابي، وإن أراد أحد أن يختصر رمزية ما تمثل في تاريخك وحاضرك بعنوانين، لما وجد أقرب منهما إليك، وأشد منهما التصاقاً، بمسيرتك ويقينك وسعيك.

 

الفوضى الفكرية والسياسية والقانونية والثقافية التي أدّت إليها الظروف والالتباسات المحيطة بتهريب العميل عامر الفاخوري، آلمتك كما تسببت بالألم لكل وطني لبناني حريص، متمسك بمفهوم السيادة وتحصين القضاء وحماية الكرامة الوطنية، فشعر بأنه مطعون بخنجر مسموم في جميع القيم التي آمن بها وسعى لتكريسها. فالقرار القضائي تهريب لا يقل خطورة عن التهريب العسكري، لكن خطورة هذه الفوضى أنها مسّت بمهابة مؤسسة محورية يراهن اللبنانيون على دورها في بناء الدولة وتنقيتها من الشوائب، وهي مؤسسة القضاء، ورسمت أسئلة كبرى حول استقلال القضاء الذي يترجمه استقلال القاضي. فإذ نحن أمام اختراق خطير لأمننا الوطني بأيدٍ قضائية مستقلة، وخطورة هذه الفوضى أنها تسللت من ثقوب قانونيّة وتشريعيّة تتصل بذريعة مرور الزمن على قضايا التعامل مع العدو أسوة بسائر القضايا المطروحة أمام القضاء. وباتت هذه الفوضى السياسية سبباً لاتهامات وباباً لتساؤلات، تشوّش معها الرأي العام حول الحقيقة، ومن أين يمكن استقاؤها، والحق ومن يمكن أن يصونه، وظهرت ملامح فوضى أمنية في ظلال هذه الفوضى السياسية والقانونية، لم يعد للبنان المنكوب بأكثر من كارثة تحيط به القدرة على تخطيها، ما لم يقم أحد قادر، تلجأ له الناس عندما تضيق بها السبل، فيفعل ما يجب فعله، فكان الطبيعيّ أن تتجه نحوك الأنظار.

دولة الرئيس، ضياع الحقيقة وخطر ضياع الحق، من أخطر ما يمسّ بروحنا الوطنية في الصميم، ومن أخطر ما يشوّش أفكار الجميع ويزعزع ثقته، ويصيب تماسكه، ومن دون استرداد هذا الملف إلى حيث توضع الحقائق في نصابها وتكشف الملابسات، وينتفي الغموض، وتتبلور المسؤوليات ونقاط الضعف، وتنضج التوصيات التي تتيح تلافي القصور، سيتداعى الكثير ويصاب الكثير من نقاط القوة، ولعل المدخل الأنسب للخروج من هذا النفق هو بأن تضع لجنة تحقيق نيابيّة يدها على كل التفاصيل، وتطرح كل الأسئلة، وتستردّها من الشارع إلى المؤسسة الأم، ولجنة التحقيق المطلوبة، ربما تحاكيها شكلاً وموضوعاً، صيغة وتركيبة لجنة الإدارة والعدل النيابية بتكوينها الجامع لكل ألوان الطيف اللبناني، فلا تبقي مجالاً لتشكيك وشبهة لتسييس.

– دولة الرئيس، يعلم اللبنانيون حرج الدعوة لجلسة نيابية في الظرف الراهن الذي يشكل فيه خطر تفشي فيروس كورونا أولوية أولى، لكن في نهاية المطاف علينا مواجهة استحقاقات وتحديات، تدركون أن مجلس النواب يجب أن يحضّر لتلقفها، وأنتم الأعلم بالكيفية الأمثل، والطريقة الأفضل، للمواءمة بين القضية والمشكلة، وطالما كان لجوء اللبنانيين للجمع بين حكمتكم وشجاعتكم طريقاً لتخطي الأزمات الوطنية، وهذه إحداها التي لا تجد ملاذاً سواكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى