بين الطوارئ والتعبئة العامة فرق شاسع… الحكومة أصابت: العميد د. أمين محمد حطيط
إذا أراد المرء أن يكون موضوعيّاً في نظرته لتصرف الحكومة اللبنانية تجاه فيروس كورونا الذي يحتاج العالم فإنه يجد أنّ الحكومة لم تقتصر ولم تتأخر في اتخاذ تدبير مناسب في ظرفه لمواجهة هذا الخطر وحماية اللبنانيين منه، لا بل بالعكس قد يجد البعض أنّ الحكومة اتخذت تدابير استباقية قبل تشكل الضرورة الأكيدة لاعتمادها، خاصة إذا قسنا ذلك على ما اتخذ في أوروبا في المرحلة نفسها ولمواجهة الخطر ذاتها، ومع هذا نجد أنّ معارضي الحكومة يمعنون في انتقادها ورفضهم لكلّ ما قامت به ويصرّون على سلوك التلفيق والبهتان ضدّها لا لشيء إلا لتهشيمها وإسقاطها والعودة الى محاولة السعي الأولى للفراغ السياسي المنتج للفوضى.
وفي هذا السياق يصرّ بعض هؤلاء على وجوب إعلان حالة الطوارئ في لبنان لمواجهة وباء «كورونا» ولا يرون في غير الطوارئ حلاً للموضوع، فهل يدرك هؤلاء ماذا تعني حالة الطوارئ وهل لبنان بحاجة فعلاً لمثل هذا التدبير؟ وهل المطالبون بحالة الطوارئ مستعدون فعلاً لتقبّل التدابير التي يمكن للدولة أن تتخذها في ظل حالة الطوارئ؟
بحسب المادتين 1 و 3 من قانون الدفاع الوطني المعتمد بالمرسوم الاشتراعي 102\1983 تعلن حالة الطوارئ إذا تعرّضت البلاد للأخطار الناجمة عن أيّ اعتداء على أرض الوطن وأيّ عدوان ضدّه ولضمان سيادة الدولة وسلامة المواطنين في مواجهة تلك الأخطار. أما في المواد 2 و 4 من القانون نفسه فيضيف المشترع مصطلحات أخرى إلى جانب مصطلح «حالة الطوارئ» هما «التعبئة العامة» أو الجزئية و«تكليف الجيش حفظ الأمن» و «إعلان المنطقة العسكرية». وهنا نسأل هل كان يدرك أولئك المطالبون بإعلان حالة الطوارئ، لا بل وأعلنوها هم من خلال وسائلهم الإعلامية إعلاناً وقحاً مخالفاً لكلّ قانون، هل كان يدرك هؤلاء ماذا يعني طلبهم وهل الظروف تستوجبه؟
نعود الى النص حيث إنه وبحسب القانون تعلن حالة الطوارئ العامة المنصوص عليها قانوناً (كما ورد في قانون الدفاع الوطني والمرسوم الاشتراعي 52 تاريخ 5\8\1967) لتكون تدبيراً دفاعياً ذا طبيعة عسكرية يهدف إلى مقاومة أيّ اعتداء (لاحظ انّ المشترع استعمل أيضاً عبارة مقاومة أيّ اعتداء في المادة 1 من م.ا. 102\1983 ) ما يعني أن حالة الطوارئ ترمي الى إنشاء بيئة دفاعية عامة مرتكزها الطابع العسكري للدفاع ضدّ عدوان على أرض الوطن أو سكانه ومرتكزها قيادة الجيش التي تقود الوضع، بيئة تمكن الدولة من حشد طاقاتها لمقاومته أيّ جميع طاقاتها ذات الطبيعة العسكرية أولاً، ثم ذات الطبيعة المساندة أو المعززة للأولى ثانياً، ثم وضع اليد على ما يمكن ان يحدّ من فعالية عملية الحشد وتعطيله، ومن أجل ذلك توضع كلّ القوى العسكرية بتصرف قيادة الجيش ويتاح للدولة وخلافا لأيّ نص قانوني ان تتخذ من التدابير ما يخدم العملية الدفاعية دون التوقف عند حق لهذا أو مطلب لذاك (يمكنها مصادرة الأملاك، منع التجول، مراقبة الإعلام إلخ…).
من يقف على ما تعنيه حالة الطوارئ وأسبابها الموجبة يدرك فوراً انها في مكان والحالة اللبنانية الراهنة في مكان آخر ولا تماس بينهما، وأنّ الدولة لو كانت بصدد ممارسة الكيدية لكانت استغلت الظرف واستجابت لمطالبة معارضيها وسارعت الى إعلان حالة طوارئ (غير لازمة) واستغلتها لكمّ الأفواه ومصادرة الممتلكات والاتكاء على قضاء استثنائي تشرف عليه من أجل الانتقام من خصومها كما تفعل الأنظمة البوليسية القمعية في العالم. وكان هؤلاء المعارضون أول ضحايا حالة الطوارئ التي ينادون بها، فهل يعلم المطالبون بحالة الطوارئ وينتقدون الى حدّ التجريح وتهديد الحكومة بالملاحقة القضائية لتقصيرها في إعلان حالة الطوارئ، هل يعلمون هذه الحقيقة؟ أم أنهم يطالبون بحالة الطوارئ لأنهم يخفون خلف طلباتهم نيات خسيسة خبيثة ضدّ الدولة او ضدّ بعض الأطراف الآخرين الشركاء في الوطن، أو انهم لا يعرفون وطرحوا طلباتهم بدافع الخفة والجهل وسعياً للإساءة للحكومة التي يعارضون والتي حجبوا الثقة عنها؟ نطرح التساؤل مع ظننا بوجود الفئتين معاً ونتمنى أن نكون مخطئين هنا وأن يكون الطلب فقط بسبب الجهل.
أما من جهة المصطلحات أخرى فإننا نجد انّ المشترع نص على «حالة التأهّب الكلي والجزئي» و«التعبئة العامة أو الجزئية» التي تعلن في حال «تعرّض الوطن او مجموعة من السكان للخطر دون أيّ يحدّد المشترع طبيعة ومصدر الخطر وإذا أعلنت، فإنها تتيح للدولة فرض الرقابة على مصادر الطاقة والمواد الأولية للإنتاج ومراقبة النقل والانتقال والاتصالات ومصادرة الأشخاص والأموال خدمة للمصلحة العامة المتمثلة في مواجهة الخطر الذي من أجله أُعلنت. وهذا ما ينطبق بالضبط على الحالة التي يمرّ بها لبنان في مواجهة فيروس كورونا الذي يتهدّد السكان في لبنان حالة تستوجب ما ذكر، وبالتالي يكون اختيار الحكومة لإعلان حالة التعبئة العامة في موقعه القانوني والعملي الملائم، وتكون الحكومة باعتمادها هذا الخيار قد أكدت علمها بالقانون أولاً وأكدت عمقاً في فهمه وفهم الواقع واتخذت التدبير المناسب لمواجهة خطر وبائي يهدّد الصحة العامة، ويبقى أن يستجيب الجميع لقرارات الحكومة وان يظهروا التعاون معها ويتوقف الآخرون عن الدسائس والاستغلال السياسي البعيد عن مصالح لبنان واللبنانيين.
لقد أصابت الحكومة في قرارها وسلوكها وأخطأ معارضوها، في مواجهة وباء يجتاح العالم، وأثبتت تدابير الحكومة حتى الآن انّ هذه الحكومة على قدر المسؤولية، خلافاً لما اعتاد اللبنانيون عليه مع معظم الحكومات السابقة.
(البناء)