الاستغلال والتضليل في خدمة الوباء
غالب قنديل
منذ ظهور فيروس كورونا حرصت الحكومة على تظهير حجم المخاطر وهي بكل صراحة استنفرت منذ أسابيع ووفرت مواكبة ميدانية إعلامية لجميع تدابيرها الإحترازية وطالبت الجميع بتجسيد روح التضامن الوطني في التصدي لخطر الوباء وأنشأت هيئة طواريء تحركت في الاتجاه الصحيح واقترحت سلسلة من التدابيروالإرشادات.
أولا حشدت الحكومة ما في حوزتها من موارد لتأمين الفحوص الطبية وعمليات العلاج الممكنة للمصابين أو المشكوك في إصابتهم في مستشفى بيروت الحكومي بينما تقوم أجهزة وزارة الصحة مع مئات المتطوعين الشباب من طلاب كليات الطب بمتابعة حثيثة ليوميات الكفاح من أجل منع الانتشار.
تعمل الحكومة منذ أيام لتجهيز جميع المستشفيات الحكومية في المناطق تحسبا للاحتمالات الأسوأ بعدما بلغ عدد المصابين ستين شخصا وحصول حالتي وفاة واتضاح تعدد مصادر العدوى بينما جرى تأكيد الرقابة الصحية على المنافذ الحدودية الجوية والبحرية والبرية وهذه التدابير هي المتناسبة مع حجم الانتشار المحدود والذي لا يمكن منع تفاقمه من غير تعاون شعبي ومن غير يقظة وانتباه تتحمل وسائل الإعلام مسؤولية بثهما في الرأي العام وهو ما سعت إليه الحكومة من البداية وقد خاطبت مالكي الوسائل الإعلامية مطالبة باستنفار حسهم الوطني وبشراكتهم في التصدي للخطر.
ثانيا ساهمت بعض وسائل الإعلام في نشر الاستهتار والتهكم والتهريج من خلال تعاملها مع التدابير والنداءات الحكومية منذ أسابيع وهي في ذلك خرجت عن الأصول القانونية الملزمة المنصوص عنها في قانون المرئي والمسموع وفي دفاتر الشروط النموذجية والتعهدات الموقعة من الشركات عند حصولها على الترخيص وهي شجعت في تصرفاتها على حالة انفلات فاضحة.
الحملات الإعلامية لتسخيف توجيهات وزير الصحة وتحذيراته الصريحة والتهريج والخفة حولت خطوة إغلاق المؤسسات التعليمية إلى مناسبة لمزيد من التصرفات السلوكية الجماعية التي ترفع منسوب الخطر عبر الاحتشاد في مواقع الترفيه والتنزه بدلا من اتخاذ تدابير عائلية متشددة بالبقاء في المنازل وعدم الخروج سوى للضرورة كما تمنى وزير الصحة على المواطنين قبل أكثر من أسبوعين حين طالب الناس باتخاذ احتياطات شرحها بالتفصيل تقلل من خطر انتشار العدوى وفجأة عندما صدر تحذير منظمة الصحة العالمية من تحول الفيروس إلى وباء عالمي ازدادت مخاطر انتشاره أعطت بعض وسائل الإعلام لنفسها صلاحية إعلان حالة الطواريء خلافا لأي منطق مهني أو قانوني وساهمت في تعميم حالة من الهستيريا الجماعية حملتها مشاهد اكتظاظ المجمعات التجارية.
ثالثا فتحت الوسائل نفسها الهواء لحملات الاستغلال السياسي غير الأخلاقي لخطر الكورونا بهدف تصفية الحسابات ضد الحكومة وضد الجهات السياسية الداعمة لها وقامت بعض الجيوش الالكترونية بفبركة الأكاذيب حول بعض المناطق اللبنانية للنيل من أطراف سياسية بعينها ثم جرى تدوير الحملات وبثها عبر بعض الوسائل المرئية والمسموعة وهذه تصرفات تخالف القانون والقواعد المهنية المتعارف عليها وفيها فعليا ما يصرف الانتباه عن الهم الجوهري المشترك الذي يفترض أن تتوحد الجهود حوله وهو منع انتشار الوباء وحماية جميع المقيمين على الأراضي اللبنانية .
ببساطة نشهد تصرفات إعلامية غير اخلاقية وغير مهنية في هذا الظرف الصحي الحرج كما فعلت بعض المنابر الإعلامية المرتهنة خارجيا وداخليا في وجه العدوان الصهيوني وأمام خطر الإرهاب القاعدي والداعشي فهي تحللت من أي حس مسؤول وفتحت أبواب الخطر بسلوكيات غير مسؤولة وادعت لنفسها الحصانة المزعومة تحت شعار حرية الإعلام بينما هي محكومة بالخضوع للقانون وموجباته وقد تراكمت خروقها له تقنيا وماليا وبرامجيا واحتمت بابتزاز خضعت له الحكومات المتعاقبة فوفرت الحماية السياسية لسلوكيات إعلامية فاجرة وهدامة.
رابعا إن الطريق المفضل لتصحيح هذا الخلل هو تطبيق القانون دون إمهال فمالكو الوسائل المخالفة يمارسون ابتزازا وتهويلا يعكسان هوية القوى السياسية والجهات التي تقف خلفهم داخليا وخارجيا وهي راغبة في تهشيم الحكومة وإفشالها غير آبهة بأحوال الناس ومعاناتهم بل واسقاطها ان استطاعت من غير أي اعتبار للحس الوطني في زمن كارثة تستدعي التضامن والتكاتف فالتهديد جدي وشامل بوباء لايمكن تسييسه بأي شكل وهذا ما لا تكفي معه المناشدة والتمنيات وقد جربت منذ زمن بعيد دون جدوى.
إن كان من حالة طواريء يجب أن تعلن وتمليها الضرورة فهي الطواريء ضد مظاهر الاستهتار والاستغلال والتحريض في الأداء الإعلامي وعبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي سائر تعبيرات العبث والاساءة إلى روح التضامن الوطني في مجابهة تهديد يزداد خطورة وهي جرائم لا تختلف بشيء عن جريمة إضعاف و”توهين الحالة المعنوية ضد العدو” في زمن الحرب كما ينص قانون العقوبات.